شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٤٨٢
الرائي). فأنت تعلم أن اليمين والشمال، بل الصورة مطلقا، لا يتصور إلا في حضرة الخيال والحس، وحضرات السر والروح والخفى، وغيرها من المراتب الروحانية، كلها مجردة من الصور وجهاتها، (36) مع أن الغرض تمثيل المعقول بالمحسوس لا تمثيل المعقول بالمعقول.
(وقد يقابل اليمين اليسار، وهو الغالب في المرآيا بمنزلة العادة في العموم). و ذلك بحسب الاعتبار، فإنك إذا اعتبرت جهة اليمين من الصورة المرئية في المرآة، وجدت يمينها مقابلا ليسارك ويسارها مقابلا ليمينك، كالإنسان إذا كان مقابلا وجهه إلى وجهك. وأما إذا اعتبرت التقابل بين صورتك والصورة المرئية فيها، يكون اليمين منك مقابلا ليمين ما في المرآة، (37) ألا ترى إنك إذا وضعت أصبعك على وجهك الأيمن، مثلا، يظهر ذلك في الوجه الذي يقابل وجهك الأيمن، فهو يمينها في الحقيقة، وإن كنت تتوهم أنه الوجه الأيسر، لأن ذلك الوجه هو عين هذا الوجه منك لا غيره.

(36) - لا يخفى أن الجهات لها ظهورات في حضرات السر والخفى، ولها صورة في عالم المجردات، إلا أن جهات ذلك العالم لم تكن بمثابة ذاك العالم، أو العالم الخيال والمثال و الصورة لم تكن مقدارية مثالية، فالعالم الروحاني له جهات غير متفرق الوجود ولا متميز الهوية، بل كلها في الكل. (الإمام الخميني مد ظله) (37) - ليس التقابل بين صورتك والصورة المرئية سببا لكون اليمين مقابلا لليمين واليسار لليسار، ولا ما ذكره أولا علة لتقابل اليمين لليسار، بل السبب لتقابل اليمين لليمين، و كذا اليسار، كون الصورة المرئية ظهور صورتك، فهي صورتك حقيقة، فان الظاهر عين المظهر والتغاير اعتباري. فإذا اعتبرت أنها غيرك، يحصل التغاير الاعتباري، فيتوهم أن اليمين هو اليسار واليسار هو اليمين، فيقابل اليمين لليسار واليسار لليمين، كالشخص الخارجي المقابل لك، فهذا التغاير اعتباري لا أصل له. وهذا أيضا من الأسرار المودعة في المرآة لأهل السابقة الحسنى، تدبر فيه. (الإمام الخميني مد ظله)
(٤٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 477 478 479 480 481 482 483 484 485 486 487 ... » »»