البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ٢٠٠
في الجامع الصغير من قوله: فإن وقعت فيها بعرة أو بعرتان لم يفسد الماء. فدل على أن الثلاث تفسد بناء على أن مفهوم العدد في الرواية معتبر وإن لم يكن معتبرا في الدلائل عندنا على الصحيح، وهذا الفهم إنما يتم لو اقتصر محمد في الجامع الصغير على هذه العبارة ولم يقتصر عليها فإنه قال: إذا وقعت بعرة أو بعرتان في البئر لا يفسد ما لم يكن كثيرا فاحشا والثلاث ليس بكثير فاحش. كذا نقل عبارة الجامع في المحيط وغيره، ولو جعل قائل الحد الفاصل بين القليل والكثير أن ما غير أحد أوصاف الماء كان كثيرا وما لم يغيره يكون قليلا لكان له وجه. كذا في شرح منية المصلي. وبعر يبعر من حد منع، والروث للفرس والحمار من راث. يقال من حد نصر والخثي بكسر الخاء واحد الاخثاء للبقر. يقال من باب ضرب كذا في فتح القدير وغيره.
قوله: (وخرء حمام وعصفور) أي لا ينزح ماء البئر بوقوع خرء حمام وعصفور فيها.
والخرء بالفتح واحد الخرء بالضم مثل قرء وقروء. وعن الجوهري أنه بالضم كجند وجنود.
والواو بعد الراء غلط كذا في المغرب. وإنما لا ينزح ماؤها منه لأنه ليس بنجس عندنا على ما اختاره في الهداية وكثير من الكتب. وذكر في النهاية ومعراج الدراية اختلاف المشايخ في نجاسته وطهارته مع اتفاقهم على سقوط حكم النجاسة لكن عند البعض السقوط من الأصل للطهارة وعند آخرين للضرورة ا ه‍. ولم يذكر إفادة هذا الاختلاف. وقال الشافعي: نجس وهو القياس لأنه استحال إلى نتن وفساد فأشبه خرء الدجاج. ولنا الاجماع العملي فإنها في المسجد الحرام مقيمة من غير نكير من أحد من العلماء مع العلم بما يكون منها مع ورود الامر بتطهير المساجد فيما رواه ابن حبان في صحيحه وأحمد وأبو داود وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب. وعن سمرة رضي الله عنه أنه كتب إلى بنيه: أما بعد فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نضع المساجد في دورنا ونصلح صنعتها ونطهرها. رواه أبو داود وسكت عليه ثم المنذري بعده. كذا ذكره الحافظ الزيلعي. وروى أبو أمامة الباهلي أن النبي صلى الله عليه وسلم شكر الحمامة فقال: أنها أوكرت علي باب الغار فجزاها الله تعالى بأن جعل المساجد مأواها، فهذا دليل طهارة خرئها. وعن ابن مسعود أنه خرأت عليه حمامة فمسحها بأصبعه، وكذلك عمر رضي الله عنه زرق عليه طير فمسحه بحصاة ثم صلى. كذا في معراج الدراية والنهاية. وأما ما ذكره من الاستحالة فهي لا إلى نتن رائحة فأشبه الطين الذي في قعر البئر فإن فيه الفساد أيضا وليس بنجس لأنه لا إلى
(٢٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 ... » »»
الفهرست