البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ٢٠٣
قاضيخان في شرح الجامع الصغير وتبعه عليه صاحب معراج الدراية من أن الصحيح أنه أمرهم بشرب الألبان يعني دون الأبوال فلا يخفى ضعفه لما علمت أن رواية شرب الأبوال ثابتة في الكتب الستة والله الموفق للصواب.
قوله: (لا ما لم يكن حدثا) عطف على بول أي ما لا يكون حدثا لا يكون نجسا، وهذا عند أبي يوسف فالدم الذي لم يسل كما إذا أخذ بقطنة ولو كان كثيرا في نفسه والقئ القليل إذا وقع في الماء لا ينجسه، وكذا إذا أصاب شيئا. وقال محمد: إنه نجس. كذا في كثير من الكتب. وظاهر ما في شرح الوقاية أن ظاهر الرواية عن أصحابنا الثلاثة أنه ليس بنجس، وعند محمد في غير رواية الأصول أنه نجس لأنه لا أثر للسيلان في النجاسة، فإذا كان السائل نجسا فغير السائل يكون كذلك. ولنا قوله تعالى * (قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه) * إلى قوله * (أو دما مسفوحا) * فغير المسفوح لا يكون محرما لا يكون نجسا والدم الذي لم يسل عن رأس الجرح دم غير مسفوح فلا يكون نجسا. فإن قيل: هذا فيما يؤكل لحمه أما فيما لا يؤكل كالآدمي فغير المسفوح حرام أيضا فلا يمكن الاستدلال بحله على طهارته قلت: لما حكم بحرمة المسفوح بقي غير المسفوح على أصله وهو الحل ويلزم سنه الطهارة، سواء كان فيما يؤكل لحمه أو لا، لاطلاق النص، ثم حرمة غير المسفوح في الآدمي بناء على حرمة لحمه وحرمة لحمه لا توجب نجاسته إذ هذه الحرمة للكرامة لا للنجاسة فغير المسفوح في الآدمي يكون على طهارته الأصلية مع كونه محرما، والفرق بين المسفوح وغيره مبني على حكمة غامضة وهي أن غير المسفوح دم انتقل عن العروق وانفصل عن النجاسات وحصل له هضم آخر في الأعضاء وصار مستعدا لأن يصير عضوا فأخذ طبيعة العضو فأعطاه الشرع حكمه بخلاف دم العروق، فإذا سال عن رأس الجرح علم أنه دم انتقل من العروق في هذه الساعة وهو الدم النجس، أما إذا لم يسل علم أنه دم العضو. وهذا في الدم، أما في القئ فالقليل هو الماء الذي كان في أعالي المعدة وهي ليست محل النجاسة فحكمه حكم الريق. كذا في شرح الوقاية. وكان الإسكاف والهندواني يفتيان يقول محمد، وصحح صاحب الهداية وغيره قول أبي يوسف وقال في العناية: قول أبي يوسف أرفق خصوصا في حق أصحاب القروح وفي فتح القدير أن الوجه يساعده لأنه ثبت أن الخارج بوصف النجاسة حدث وأن هذا الوصف قبل الخروج لا يثبت شرعا وإلا لم يحصل للانسان طهارة فلزم أن ما ليس حدثا لم يعتبر خارجا شرعا وما لم يعتبر خارجا شرعا لم يعتبر نجسا ا ه‍. وذكر في السراج الوهاج أن الفتوى على قول أبي يوسف فيما إذا أصاب الجامدات كالثياب والأبدان، وعلى قول محمد فيما إذا أصاب المائعات كالماء
(٢٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 ... » »»
الفهرست