البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ١٩٩
لها رؤوس حاجزة المواشي تبعر حولها ويلقيها الريح فيها فجعل القليل عفوا للضرورة ولا ضرورة في الكثير، ولا فرق على هذا بين الرطب واليابس، والصحيح والمنكسر، والروث والبعر والخنثى، لأن الضرورة تشمل الكل. وقد صرح في غاية البيان بأنه ظاهر الرواية يعارضه ما ذكره السرخسي أن الروث والمفتت من البعر مفسد في ظاهر الرواية. وعن أبي يوسف إن قليله عفو قال: وهو الأوجه. وظاهر هذه الطريقة أن هذا الحكم مختص بآبار الفلوات، وأما الآبار التي في المصر فتنجس بالقليل منه لأن لها رؤوسا حاجزة فيقع الامن عن الوقوع فيها وقد صرح به في البدائع لكن في غاية البيان ذكر أنه لا فرق بينهما على هذه الطريقة فقال: واختلف المشايخ في البئر إذا كانت في المصر، والصحيح عدم الفرق لشمول الضرورة في الجملة ا ه‍. فاعتبر الضرورة في الجملة وكذا في التبيين. والطريقة الثانية أن لليابس صلابة فلا يختلط شئ من أجزائه بأجزاء الماء فهذه تقتضي أن الرطب والمنكسر والروث والخثي ينجس الماء، وظاهرها عدم الفرق بين آبار الفلوات والأمصار كما هو مذكور في البدائع، وكذا ظاهرها أن الكثير من اليابس الصحيح لا ينجس كالقليل وبه قال الحسن بن زياد، لكن الصحيح أن الكثير ينجس الاناء وماء البئر على الطريقتين: أما على الأولى فلما بينا أنه لا ضرورة في الكثير، وأما على الثانية فلأنها إذا كثرت تقع المماسة بينها فيصطك البعض بالبعض فتتفتت أجزاؤها فتتنجس، إليه أشار في البدائع. وظاهرها أيضا أنه لا فرق بين البئر والاناء في عدم التنجيس بالقليل، وعلى الطريقة الأولى بينهما فرق لأن الضرورة في البئر لا في الاناء كذا في الكافي - بخلاف بعر الشاة إذا وقع منها في المحلب وقت الحلب فإنه ترمي البعرة ويشرب اللبن على الطريقتين، أما على الثانية فظاهر، وأما على الأولى فلمكان الضرورة. كذا في الهداية وقيده في النهاية وغاية البيان والمعراج بكونها رميت على الفور ولم يبق لونها على اللبن، وكذا في فتح القدير معللا له بأن الضرورة تتحقق في نفس الوقوع لأنها تبعر عند الحلب عادة لا فيما وراءه وذلك بمرأى منه. واختلفوا في حد الكثير على أقوال صحح منها قولان، فصحح في النهاية أنه ما لا يخلو لو عن بعرة وعزاه إلى المبسوط، وصحح في البدائع والكافي لمصنف وكثير من الكتب أن الكثيرة ما يستكثره الناظر والقليل ما يستقله. وفي معراج الدراية وعليه الاعتماد.
قال في العناية: وإنما قال وعليه الاعتماد لأن أبا حنيفة لا يقدر شيئا بالرأي في مثل هذه المسائل التي تحتاج إلى التقدير فكان هذا موافقا لمذهبه ا ه‍. فظهر بهذا أن ما ذكره في المتن من أن البعرتين لا ينجسان للإشارة إلى أن الثلاث تنجس إنما هو على قول ضعيف مبني على ما وقع
(١٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 ... » »»
الفهرست