البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ١٩٥
واحد ويستحيل اجتماعهما ويجوز ارتفاعهما، وزوال الحياة ليس بضد الحياة كما أن زوال السكون ليس بضد السكون فكان هذا تعريفا بلازمه ا ه‍.
وتعقبه في غاية البيان بأنا لا نسلم أن زوال الحياة ليس بضد لها، وكيف يقال هذا وزوال الحياة مع الحياة لا يجتمعان؟ وليس معنى التضاد إلا هذا ولا نسلم أن زوال الحياة ليس بوجودي فهل لزوال الحياة وجود أم لا؟ فإن قلت نعم فيكون زوال الحياة وجود يا، وإن قلت لا فيكون حينئذ زوال الحياة حياة وهو محال لأن عدم زوال الحياة عبارة عن الحياة ا ه‍.
ولا يخفى ضعفه لأن الموت نفس زوال الحياة لا عدم زوالها ولا يلزم من كون نقيض الشئ عدميا أن يكون عدم عدمه حتى يكون نفي النفي فيكون اثباتا. وأما جعله زوال الحياة ضدا لها فغير مسلم لأن التضاد الحقيقي هو أن يكون بين الموجودين اللذين يمكن تعقل أحدهما مع الذهول عن الآخر تعاقب على الموضوع ويكون بينهما غاية الخلاف وهي ما يكون مقتضى كل منهما مغاير المقتضى الآخر كالسواد والبياض فإن مقتضى أحدهما قبض البصر ومقتضى الثاني تفريقه، ولا شك أن زوال الحياة عدمي فلا يكون ضدا لها وإنما يكون بينهما تقابل العدم والملكة، وقد ذكر بعض الأصوليين في شرح المغني أن هذا الفرق إنما هو على اصطلاح أهل العقول، أما على اصطلاح الأصوليين فالضد ما يقابل الشئ ويكون بينهما غاية الخلاف، سواء كانا وجوديين أو أحدهما وجودي والآخر عدمي. وقد اختار صاحب الكشاف أن الموت عدمي فقال: والحياة ما يصح بوجوده الاحساس، وقيل ما يوجب كون الشئ حيا وهو الذي يصح منه أن يعلم ويقدر والموت عدم ذلك فيه، ومعنى خلق الموت والحياة إيجاد ذلك المصحح وإعدامه. قال الطيبي رحمه الله في حاشيته: قوله والموت عدم ذلك فيه الانتصاف لمذهب القدرية أن الموت عدم واعتقاد السنية أنه أمر وجودي ضاد الحياة، وكيف يكون عدميا وقد وصف بكونه مخلوقا وعدم الحوادث أزلي، ولو كان المعدوم مخلوقا لزم وقوع الحوادث أزلا وهو ظاهر البطلان. وقال صاحب الفوائد: لو كان الموت عدم الحياة استحال أن يكون مخلوقا وقد قال بعد ذلك: معنى خلق الموت والحياة إيجاد ذلك المصحح وإعدامه، وهذا أيضا منظور فيه. وقال الإمام: هي الصفة التي يكون الموصوف بها بحيث يصح أن يعلم ويقدر. واختلفوا في الموت قبل إنه عبارة عن عدم هذه الصفة، وقيل صفة وجودية مضادة للحياة لقوله تعالى * (الذي خلق الموت والحياة) * (الملك: 2) والعدم لا يكون مخلوقا. هذا هو التحقيق إلى هنا كلام الطيبي رحمه الله تعالى. وقال الإمام القرطبي في تفسيره قال العلماء رضي الله عنهم: الموت ليس بعدم محض ولا فناء صرف وإنما هو تعلق
(١٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 ... » »»
الفهرست