البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ١٩٦
الروح بالبدن ومفارقته وحيلولة بينهما وتبدل حال وانتقال من دار إلى دار والحياة عكس ذلك، ونقل أقوالا فيهما لا نطيل بذكرها. والحاصل أن مذهب أهل السنة أن الموت أمر وجودي كالحياة، ومذهب المعتزلة كما في الكشف أو القدرية كما في الحاشية أنه عدمي، وعلى كل منهما لا نزاع في أن الموت يكون بعد الحياة إذ ما لم يسبق له حياة لا يوصف بالموت حقيقة في اللغة والعرف، ولهذا قال السيد الشريف في شرح المواقف بعد تفسير الموت بعدم الحياة عما من شأنه أن يكون حيا: والأظهر أن يقال عدم الحياة عما اتفق لها ا ه‍. لكن قد يقال يحتاج حينئذ إلى الجواب عن قوله تعالى * (وكنتم أمواتا فأحياكم) * (البقرة:
28) وفي الكشاف: فإن قلت كيف قيل لهم أموات في حال كونهم جمادا وإنما يقال ميت فيما يصح فيه الحياة من الشئ؟ قلت: بل يقال ذلك في حال كونهم جمادا لعادم الحياة كقوله * (بلدة ميتا) * (الفرقان: 49) * (وآية لهم الأرض الميتة) * (يس: 33) * (أموات غير أحياء) * (النحل: 21) ويجوز أن يكون استعارة في اجتماعهما في أن لا روح ولا احساس ا ه‍. وقرر القطب في حاشيته الاستعارة بأن يشبه الجماد بالميت في عدم الروح ثم استعير اللفظ والله أعلم تتمة نافجة المسك طاهرة مطلقا على الأصح.
قوله: (وتنزح البئر بوقوع نجس) لما ذكر حكم الماء القليل بأنه يتنجس كله عند وقوع النجاسة فيه حتى يراق كله ورد عليه ماء البئر نقضا في أنه لا ينزح كله في بعض الصور فذكر أحكامه. قال الشارحون ومنهم المصنف في المستصفى: إن المراد بنزح البئر نزح مائها إطلاقا لاسم المحل على الحال كقولهم جرى الميزاب وسال الوادي وأكل القدر والمراد ما حل فيها للمبالغة في إخراج جميع الماء. والمراد بالبئر هنا هي التي لم تكن عشرا في عشر، أما إذا كانت عشرا في عشر لا تنجس بوقوع نجس إلا بالتغير كما يفيده ما سنذكره. والمراد بالنجس هنا هو الذي ليس حيوانا كالدم والبول والخمر، وأما أحكام الحيوان الواقع فيها فسنذكرها مفصلة. وبهذا يظهر ضعف ما في التبيين من أن المصنف أطلق ولم يقدر بشئ لأنه لم يعين ما وقع فيها من النجاسة فأي نجس وقع فيها يوجب نزحها وإنما ينجس ماء البئر كله بقليل النجاسة لأن البئر عندنا بمنزلة الحوض الصغير تفسد بما يفسد به الحوض الصغير إلا أن يكون عشرا في عشر. كذا في فتاوى قاضيخان. وفي التفاريق عن أبي حنيفة وأبي يوسف: البئر لا تنجس كالماء الجاري البئر إذا لم تكن عريضة وكان عمق مائها عشرة أذرع فصاعدا فوقعت النجاسة فيها لا يحكم بنجاستها في أصح الأقاويل ا ه‍. وعزاه في القنية إلى شرح صدر القضاة، وذكر ابن وهبان أنه مخالف لما أطلقه جمهور الأصحاب. كذا في شرح منية المصلي. ولا يخفى أن هذا التصحيح لو ثبت لانهدمت مسائل أصحابنا المذكورة في كتبهم وقد عللوا بأن البئر لما وجب إخراج النجاسة منها ولا يمكن إخراجها منها إلا بنزح كل مائها
(١٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 ... » »»
الفهرست