البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ١ - الصفحة ٢٠٥
جبهته وأنفه يجوز ذلك للاستشفاء والمعالجة، ولو كتب بالبول إن علم أن فيه شفاء لا بأس بذلك لكن لم ينقل وهذا لأن الحرمة ساقطة عند الاستشفاء ألا ترى أن العطشان يجوز له شرب الخمر والجائع يحل له أكل الميتة ا ه‍. وسيأتي لهذا زيادة بيان في باب الكراهية إن شاء الله تعالى. قال في التبيين: وقول محمد مشكل لأن كثيرا من الطاهر لا يجوز شربه، وقول أبي يوسف أشد إشكالا ا ه‍. وقد يقال إنه لا إشكال فيه أصلا لأنه قال بنجاسته عملا بحديث استنزهوا من البول وقال بجواز شربه للتداوي عملا بحديث العرنيين.
قوله: (وعشرون دلوا وسطا بموت نحو فأرة) قال في التبيين: أي ينزح عشرون إذا ماتت فيها فأرة ونحوها. وقوله عشرون معطوف على البئر وفيه إشكال وهو أنه يصير معناه تنزح البئر وعشرون دلوا وأربعون وكله فيفسد المعنى لأنه يقتضي نزح البئر وعشرين دلوا وليس هذا بمراد، وإنما المراد أن تنزح البئر إذ وقع فيها نجس. ثم ذلك النجس ينقسم إلى ثلاثة أقسام: منه ما يوجب نزح عشرين، ومنه ما يوجب نزح أربعين، ومنه ما يوجب نزح الجميع. وليس نزح البئر مغايرا لهذه الثلاث حتى يعطف عليها وإنما هو تفسير وتقسيم لذلك النزح المبهم، وليس هذا من باب عطف البعض على الكل لا يقال إنه أراد بالأول ما يوجب الجميع وبالمعطوف ما يوجب نزح البعض لأنه ذكر بعد ذلك ما يوجب نزح الجميع أيضا، فلو كان مراده الجميع لما ذكر ثانيا لكونه تكرارا محضا، ولان الأول لا يجوز أن يحمل على نوع من هذه الأنواع الثلاثة لعدم الأولوية فبقي على إطلاقه. إلى هنا كلام الزيلعي رحمه الله وأقول: لا حاجة إلى هذه الإطالة مع إمكان حمل كلامه على وجه صحيح، فإن قوله عشرون معطوف على البئر بمعنى ماء البئر كما تقدم والواو فيه كبقية المعطوفات بمعنى أو والتقدير ينزح ماء البئر كله بوقوع نجس غير حيوان، أو ينزح عشرون دلوا من ماء البئر بموت نحو فأرة، أو أربعون منه بنحو دجاجة، أو كله بنحو شاة إلى آخره، وبهذا علم أن قوله وتنزح البئر بوقوع نجس ليس مبهما بل المراد منه نجس غير حيوان، واندفع به ما ذكره من لزوم التكرار لو أريد بالأول نزح الجميع فإنه أريد بالأول نزح الجميع لوقوع غير حيوان، وأريد بالثاني نزح الجميع لوقوع حيوان مخصوص فلا تكرار. وقوله ولان الأول لا يجوز أن يحمل إلى آخره سلمناه لكن يمنع قوله فبقين على إطلاقه لأنه لا يلزم من انتفاء جواز حمله على الأنواع الثلاث بقاؤه مطلقا لجواز حمله على نوع رابع غير الثلاثة كما حملناه
(٢٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 ... » »»
الفهرست