المبسوط - السرخسي - ج ١٠ - الصفحة ٥٤
استردها وجعل نذرها فيما لا تملك والمراد بالآية حكم الاخذ بدليل قوله تعالى فالله يحكم بينهم يوم القيامة وبه نقول إنهم يفارقوننا في دار الآخرة فإنها دار الجزاء ولا سبيل لهم علينا في دار الجزاء إذا عرفنا هذا فنقول إذا وقع هذا المال في الغنيمة وقد كان المشركون أحرزوه فان وجده مالكه قبل القسمة أخذه بغير شئ وان وجده بعد القسمة أخذه بالقيمة ان شاء لحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن المشركين أحرزوا ناقة رجل من المسلمين بدارهم ثم وقعت في الغنيمة فخاصم فيها المالك القديم فقال صلى الله عليه وسلم ان وجدتها قبل القسمة أخذتها بغير شئ وان وجدتها بعد القسمة أخذتها بالقيمة إن شئت ففي هذا دليل أنهم قد ملكوها وإنما فرق في الاخذ مجانا بين ما قبل القسمة وما بعدها لان المستولي عليه صار مظلوما وقد كان يفترض على من يقوم بنصرة الدار وهم الغزاة ان يدفعوا الظلم عنه بأن يتبعوا المشركين ليستنقذوا المال من أيديهم وقبل القسمة الحق لعامة الغزاة فعليهم دفع الظلم بإعادة ماله إليه فاما بعد القسمة فقد تعين الملك لمن وقع في سهمه وعليه دفع الظلم ولكن لا بطريق ابطال حقه وحقه في المالية حتى كان للامام ان يبيع الغنائم ويقسم الثمن بين الغانمين وحق المالك القديم في العين فيتمكن من الاخذ بالقيمة ان شاء ليتوصل كل واحد منهما إلى حقه فيعتدل النظر من الجانبين ولان قبل القسمة ثبوت حق الغزاة فيه ليس بعوض على شئ بل صلة شرعية لهم ابتداء فلا يكون في أخذ المالك القديم إياه مجانا ابطال حقهم عن عوض كان حقا لهم فاما بعد القسمة فمن وقع في سهمه استحق هذا العين عوضا عن سهمه في الغنيمة فلا وجه لابطال حقه في ذلك العوض فيثبت للمالك القديم حق الاخذ بعد ما يعطى من وقع في سهمه العوض الذي كان حقا له وإنما يأخذه إذا أثبت دعواه فان مجرد قوله ليس بحجة في ابطال حق الغانمين قبل القسمة ولا في استحقاق الملك على من وقع في سهمه بعد القسمة وهذا إذا كان المأخوذ شيئا لا مثل له فاما الدراهم والدنانير والفلوس والمكيل والموزون فان وجدها قبل القسمة أخذها بغير شئ وان وجدها بعد القسمة فلا سبيل له عليها لان الاخذ شرعا إنما ثبت له إذا كان مفيدا وقبل القسمة هو مفيد فاما بعد القسمة لو أخذها أخذها بمثلها وذلك غير مفيد فان المالية في هذا؟ الأشياء باعتبار الكيل والوزن ولهذا جرى الربا فيها فلكون الاخذ غير مفيد قلنا بأنه لا يكون مشروعا بخلاف مالا مثل له فإنه يأخذه بالقيمة وذلك يكون مفيدا لما في العين من الغرض الصحيح للناس وان
(٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 ... » »»
الفهرست