المبسوط - السرخسي - ج ١٠ - الصفحة ١٩٨
احتاجت إلى الدهن فوجدنا ناقة كثيرة الشحم ميتة أفندهنها بشحمها فقال صلى الله عليه وسلم لا تنتفعوا من الميتة بشئ وكذلك أن كانا متساويين لان عند المساواة يغلب الحرام فكان هذا كالأول فأما إذا كان الغالب هو الزيت فليس له أن يتناول شيئا منه في حالة الاختيار لان ودك الميتة وإن كان مغلوبا مستهلكا حكما فهو موجود في هذا المحل حقيقة وقد تعذر تمييز الحلال من الحرام ولا يمكنه أن يتناول جزءا من الحلال الا بتناول جزء من الحرام وهو ممنوع شرعا من تناول الحرام ويجوز له أن ينتفع بها من حيث الاستصباح ودبغ الجلود بها فان الغالب هو الحلال فالانتفاع إنما يلاقى الحلال مقصودا وقد روينا في كتاب الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن علي رضى الله تعالى عنه جواز الانتفاع بالدهن النجس لأنه قال وإن كان مائعا فانتفعوا به دون الأكل وكذلك يجوز بيعه مع بيان العيب عندنا ولا يجوز عند الشافعي رحمه الله تعالى لأنه نجس العين كالخمر ولكنا نقول النجاسة للجار لا لعين الزيت فهو كالثوب النجس يجوز بيعه وان كأن لا تجوز الصلاة فيه وهذا لان إلى العباد احداث المجاورة بين الأشياء لا تقليب الأعيان وإن كان التنجس يحصل بفعل العباد عرفنا أن عين الطاهر لا يصير نجسا وقد قررنا هذا الفصل في كتاب الصلاة فان باعه ولم يبين عيبه فالمشترى بالخيار إذا علم به لتمكن الخلل في مقصوده حين ظهر أنه محرم الأكل وان دبغ به الجلد فعليه أن يغسله ليزول بالغسل ما على الجلد من أثر النجاسة وما يشرب فيه فهو عفو ومن المختلط الذي هو منفصل الاجزاء مسألة الموتى إذا اختلط موتى المسلمين بموتى الكفار وهي تنقسم ثلاثة أقسام فإن كانت الغلبة لموتي المسلمين فإنه يصلى عليهم ويدفنون في مقابر المسلمين لان الحكم للغالب والغالب موتى المسلمين إلا أنه ينبغي لمن يصلى عليهم ان ينوي بصلاته المسلمين خاصة لأنه لو قدر على التمييز فعلا كان عليه ان يخص المسلمين بالصلاة عليهم فإذا عجز عن ذلك له ان يخص المسلمين بالنية لان ذلك في وسعه والتكليف بحسب الوسع ونظيره ما لو تترس المشركون بأطفال المسلمين فعلى من يرميهم ان يقصد المشركين وإن كان يعلم أنه يصيب المسلم وإن كان الغالب موتى الكفار لا يصلى على أحد منهم الا من يعلم أنه مسلم بالعلامة لان الحكم للغالب والغلبة للكفار هنا وان كانا متساويين فكذلك الجواب لان الصلاة على الكافر لا تجوز بحال قال الله تعالى ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ويجوز ترك الصلاة على بعض المسلمين كأهل البغي وقطاع الطريق
(١٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 ... » »»
الفهرست