إعانة الطالبين - البكري الدمياطي - ج ٣ - الصفحة ١٩٤
(قوله: ولا على نفسه) أي ولا يصح الوقف على نفسه، أي في الأصح، ولا يصح أيضا على جنين، ولا على العبد لنفسه، لأنه ليس أهلا للملك. فإن أطلق الوقف عليه، فهو لسيده، إن كان غير الواقف، وإلا فلا يصح أيضا، ولا على بهيمة مملوكة لأنها ليست أهلا للملك، إلا أن قصد مالكها فهو وقف عليه. وخرج بالمملوكة: الموقوفة، كالخيل المسبلة في الثغور ونحوها، فيصح الوقف عليها. وكذلك الوقف على الأرقاء الموقوفين على خدمة الحرم والكعبة المشرفة والروضة المنيفة، فإنه يصح (قوله: لتعذر تمليك الانسان الخ) علة لعدم صحة الوقف على نفسه، أي وإنما لم يصح ذلك لتعذر أن يملك الانسان ملكه أو المنافع لنفسه، وذلك لأنه حاصل ويمتنع تحصيل الحاصل، وعلى مقابل الأصح يصح، لاختلاف الجهة، لان استحقاقه ملكا غيره وقفا. ورده في التحفة بأن اختلاف الجهة لا يقوى على دفع ذلك التعذر، ثم إن التردد المستفاد من أو، في قوله أو منافع ملكه، مبني على القولين في كون الوقف تمليك العين للموقوف عليه والمنفعة فقط، والمعتمد الثاني، وأما العين فهي تنتقل لله تعالى، بمعنى أنها تنفك عن اختصاص الآدميين، كما سيأتي، (قوله: ومنه) أي ومن الوقف على نفسه الباطل (قوله: أن يشرط) أي الواقف، ويبطل الوقف بهذا الشرط.
(وقوله: نحو قضاء دينه) دخل تحت نحو أخذه من ريعه مع الفقراء، فهو باطل، كما في المغني (قوله: أو انتفاعه به) أي أو يشرط انتفاعه به، أي بما وقفه بنحو سكناه فيه. قال ابن حجر: أي ولو بالصلاة فيما وقفه مسجدا. اه‍. أي فيبطل الوقف بهذا الشرط، قال ع ش: ومثل ذلك في البطلان ما وقع السؤال عنه من أن شخصا وقف نخيلا على مسجد بشرط أن تكون ثمرتها له، والجريد والليف والخشب ونحوهما للمسجد (قوله: لا شرط الخ) معطوف على المصدر المؤول من أن ويشرط، أي لا من الوقف على نفسه أن يشرط أن يشرب من البئر التي وقفها، أو أن يطالع في الكتاب الذي وقفه، أي فلا يبطل الوقف به (قوله: كذا قاله بعض شراح المنهاج) قال في التحفة بعده، وليس بصحيح، وكأنه توهمه من قول عثمان رضي الله عنه في وقف بئر رومة بالمدينة دلوي فيها كدلاء المسلمين، وليس بصحيح، فقد أجابوا عنه بأنه لم يقل ذلك على سبيل الشرط، بل على سبيل الاخبار بأن للواقف أن ينتفع بوقفه العام، كالصلاة بمسجد وقفه، والشرب من بئر وقفها، ثم رأيت بعضهم جزم بأن شرط نحو ذلك يبطل الوقف. اه‍. (قوله: ولو وقف على الفقراء مثلا) أي أو العلماء، أو الغزاة، أو نحو ذلك (قوله: ثم صار) أي الواقف (قوله: جاز له الاخذ منه) أي من وقفه ويكون كأحد الفقراء، وهذا كالاستثناء من عدم صحة الوقف على نفسه. وذكر في المغني مسائل كثيرة مستثناة منه، وعبارته، ويستثنى من عدم صحة الوقف على نفسه مسائل، منها ما لو وقف على العلماء ونحوهم كالفقراء واتصف بصفتهم، أو على الفقراء ثم افتقر، أو على المسلمين كأن وقف كتابا للقراءة أو نحوها أو قدرا للطبخ فيه أو كيزانا للشرب بها ونحو ذلك، فله الانتفاع معهم، لأنه لم يقصد نفسه، ومنها ما لو وقف على أولاد أبيه الموصوفين بكذا، وذكر صفات نفسه، فإنه يصح، كما قاله القاضي الفارقي، وابن يونس، وغيرهما، واعتمده ابن الرفعة، وإن خالف فيه الماوردي، ومنها ما لو شرط النظر لنفسه بأجرة المثل، لان استحقاقه لها من جهة العمل لا من جهة الوقف، فينبغي أن لا تستثنى هذه الصورة، فإن شرط النظر بأكثر منها، لم يصح الوقف، ومنها أن يؤجر ملكه مدة يظن أن لا يعيش فوقها ثم يقفه بعد على ما يريد، فإنه يصح الوقف، ويتصرف هو في الأجرة، كما أفتى به ابن الصلاح وغيره، ومنها أن يرفعه إلى حاكم يرى صحته، كما عليه العمل الآن، فإنه لا ينقض حكمه. اه‍. وقد ذكر الشارح بعض هذه المستثنيات (قوله: وكذا لو كان الخ) أي وكذلك يجوز له الاخذ منه لو كان فقيرا حال الوقف (قوله: ويصح شرط النظر لنفسه) أي بأن يقول وقفت داري هذه على الفقراء مثلا بشرط النظر لي (قوله: ولو بمقابل) أي ولشرط النظر بمقابل، أي بأجرة، فإنه يصح، (وقوله: إن كان الخ) قيد في صحته بمقابل، أي ويصح به إن كان ذلك المقابل بقدر أجرة مثل فأقل، وإلا بطل الوقف، لأنه وقف على نفسه، كما تقدم،
(١٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 ... » »»
الفهرست