مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٣ - الصفحة ٦٠
المستفاد من الشرع وراء هذين القسمين فهم يؤتيه الله للعبد وهو شرعي أيضا. قال العراقي: ومن عرف التفسير دون أحكامه لا يصرف له شئ، لأنه كناقل الحديث: (و) من علم (حديث) والمراد به هنا معرفة معانيه ورجاله وطرقه وصحيحه وسقيمه وعليله وما يحتاج إليه. وهو من أجل العلوم بعد القرآن، فالعالم به من أجل العلماء، وليس من علمائه من اقتصر على السماع المجرد. (و) من علم (فقه) المراد به هنا معرفة الأحكام الشرعية نصا واستنباطا، أي عرف من كل نوع منها شيئا، قاله ابن الرفعة. والمراد من كل باب من أبواب الفقه دون من عرف طرفا منه كمن عرف أحكام الحيض أو الفرائض وإن سماها الشارع نصف العلم. وخرج بالاستنباط الظاهرية كما قاله ابن سريج وأفتى به القاضي الحسين وغيره. قال الماوردي: لو أوصى لاعلم الناس صرف للفقهاء لتعلق الفقه بأكثر العلوم. وقال شارح التعجيز:
أولى الناس بالفقه في الدين نور يقذف هيبته في القلب، أي من قذف في قلبه ذلك. وهذا القدر قد يحصل لبعض أهل العنايات موهبة من الله تعالى، وهو المقصود الأعظم بخلاف ما يفهمه أكثر أهل الزمان. فذلك صناعة. ووصف الفقهاء والمتفقهة والصوفية سبق بيانه في الوقف. سئل الحسن البصري عن مسألة فأجاب، فقيل: إن فقهاءنا لا يقولون ذلك، فقال: وهل رأيتم فقيها قط؟ الفقيه هو القائم ليله الصائم نهاره الزاهد في الدنيا الذي لا يداري ولا يماري، ينشر حكمة الله، فإن قبلت منه حمد الله تعالى، وفقه عن الله أمره ونهيه وعلم ما يحبه وما يكرهه، فذاك هو العالم الذي قيل فيه: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين فإذا لم يكن بهذه الصفة فهو من المغرورين. ولو أوصى لمفسر ومحدث وفقيه فاجتمعت في شخص أعطي بأحدها كنظيره الآتي في قسم الصدقات. واحترز المصنف بعلوم الشرع عن علوم العقل كالطب والحساب والمنطق، وممن صرح بعدم دخول المنطق الطاوسي في التعليقة، لكن نقل عن الغزالي أنه جعله من علم الكلام فليكن على الخلاف الآتي.
تنبيه: قضية كلامه الحصر في هذه الثلاثة، وليس مرادا، بل العلم بأصول الفقه مثلها كما قاله الصيمري وصاحب البيان لابتناء الفقه عليه، وعد الغزالي في مقدمة المستصفى من العلم الديني علم الباطن يعني علم القلب وتطهيره عن الأخلاق الذميمة. واختلف في الراسخ في العلم فقيل: هو من برت يمينه، وصدق لسانه، واستقام قلبه. وقيل: هو من جمع أربع خصال: التقوى فيما بينه وبين الله، والتواضع فيما بينه وبين الناس، والزهد فيما بينه وبين الدنيا، والمجاهدة فيما بينه وبين نفسه. والأصح أنه العالم بتصاريف الكلام وموارد الأحكام ومواقع المواعظ، لأن الرسوخ الثبوت في الشئ. وعطف على أصحاب المرفوع قوله: (لا مقرئ وأديب ومعبر وطبيب) ومنجم وحاسب ومهندس، فليسوا من علماء الشرع، لأن أهل العرف لا يعدونهم منهم، وكذا العالم باللغة والصرف والمعاني والبيان والبديع والعروض والقوافي والموسيقى ونحوها، قاله في المطالب تبعا لابن يونس. والمراد بالمقرئ التالي، أما العالم بالروايات ورجالها فكالعالم بطرق الحديث، واختاره السبكي بعد أن رده من حيث المذهب بأن علم القراءات يتعلق بالألفاظ دون المعاني، فالعارف به لا يدخل في اسم العلماء، وبأن التالي قارئ لا مقرئ. قال الماوردي: والمراد بالأدباء النحاة واللغويون. وقد عد الزمخشري الأدب اثني عشر علما. والمراد بالمعبر مفسر المنام، والأفصح عابر لأنه يقال عبرت بالتخفيف كما قال تعالى: * (للرؤيا تعبرون) *، ومنهم من أنكر التشديد، وفي الحديث: الرؤيا لأول عابر. والطبيب من يحسن علم الطب. (وكذا متكلم) ليس منهم (عند الأكثرين) لما ذكر، ونقله العبادي في زيادته عن النص.
وقيل: يدخل، وبه قال المتولي ومال إليه الرافعي. واقتضى كلامه أن الدليل يقتضي التسوية بينه وبين المحدث والمقرئ، فإما أن يتساووا في الدخول كلهم أو في الخروج. ولأجل هذا التوقف عدل المصنف عن الأصح إلى قوله عند الأكثرين، وقال السبكي: إن أريد بعلم الكلام العلم بالله تعالى وصفاته وما يستحيل عليه ليرد على المبتدعة وليميز بين الاعتقاد الصحيح والفاسد، فذاك من أجل العلوم الشرعية، والعالم به من أفضلهم، وقد جعلوه في كتاب السير من فروض الكفايات، وإن أريد به التوغل في شبهة والخوض فيه على طريق الفلسفة وتضييع الزمان فيه والزيادة على ذلك
(٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الفرائض 2
2 فصل في بيان الفروض وأصحابها 9
3 فصل في الحجب 11
4 فصل في بيان إرث الأولاد وأولادهم انفرادا واجتماعا 13
5 فصل في بيان إرث الأب والجد وإرث الام في حالة الأب 14
6 فصل في إرث الحواشي 17
7 فصل في الإرث بالولاء 20
8 فصل في ميراث الجد مع الإخوة والأخوات 21
9 فصل لا يتوارث مسلم وكافر 24
10 فصل في أصول المسائل وما يعول منها وقسمة التركة 30
11 كتاب الوصايا 38
12 فصل في الوصية بزائد على الثلث 46
13 فصل في بيان المرض المخوف ونحوه 50
14 فصل في أحكام الوصية الصحيحة 55
15 فصل في الأحكام المعنوية 64
16 فصل في الرجوع عن الوصية 71
17 فصل في الوصاية 72
18 كتاب الوديعة 79
19 كتاب قسم الفيء والغنيمة 92
20 فصل في الغنيمة وما يتبعها 99
21 كتاب قسم الصدقات 106
22 فصل في بيان ما يقتضي صرف الزكاة لمستحقها وما يأخذه منها 113
23 فصل في حكم استيعاب الأصناف والتسوية بينهم وما يتبعها 116
24 فصل في صدقة التطوع 120
25 كتاب النكاح 123
26 فصل: في الخطبة 135
27 فصل في أركان النكاح وغيرها 139
28 فصل لا تزوج امرأة نفسها 147
29 فصل في موانع ولاية النكاح 154
30 فصل في الكفاءة المعتبرة في النكاح 164
31 فصل في تزويج المحجور عليه 168
32 باب ما يحرم من النكاح 174
33 فصل: فيما يمنع النكاح من الرق 183
34 فصل في نكاح من تحل ومن لا تحل من الكافرات وما يذكر معه 186
35 باب نكاح المشرك 191
36 فصل: في حكم زوجات الكافر بعد إسلامه الزائدات على العدد الشرعي 196
37 فصل في حكم مؤن الزوجة إذا أسلمت الخ 201
38 باب الخيار والإعفاف ونكاح العبد 202
39 فصل: في الإعفاف ومن يجب له وعليه 211
40 فصل في نكاح الرقيق من عبد أو أمة 215
41 كتاب الصداق 220
42 فصل في الصداق الفاسد وما يذكر معه 225
43 فصل في التفويض مع ما يذكر معه 228
44 فصل في ضابط مهر المثل 231
45 فصل فيما يسقط المهر وما يشطره وما يذكر معها 234
46 فصل في أحكام المتعة 241
47 فصل في التحالف عند التنازع في المهر المسمى 242
48 فصل في الوليمة 244
49 كتاب القسم والنشوز 251
50 فصل في حكم الشقاق بالتعدي بين الزوجين 259
51 كتاب الخلع 262
52 فصل الفرقة بلفظ الخلع طلاق 268
53 فصل في الالفاظ الملزمة للعوض 271
54 فصل في الاختلاف في الخلع أو عوضه 277
55 كتاب الطلاق 279
56 فصل: في جواز تفويض الطلاق للزوجة 285
57 فصل في اشتراط القصد في الطلاق 287
58 فصل في بيان الولاية على محل الطلاق 292
59 فصل في تعدد الطلاق بنيه العدد فيه وغير ذلك 294
60 فصل في الاستثناء 300
61 فصل في الشك في الطلاق 303
62 فصل في الطلاق السني وغيره 307
63 فصل في تعليق الطلاق بالأوقات وما يذكر معه 313
64 فصل في تعليق الطلاق بالحمل والحيض وغيرهما 319
65 فصل في الإشارة للطلاق بالأصابع وفي غيرها 326
66 فصل في أنواع من التعليق 329
67 كتاب الرجعة 335
68 كتاب الايلاء 343
69 فصل في أحكام الايلاء من ضرب مدة وغيره 348
70 كتاب الظهار 352
71 فصل: في أحكام الظهار من وجوب كفارة الخ 355
72 كتاب الكفارة 359
73 كتاب اللعان 367
74 فصل: في قدف الزوج زوجته خاصة 373
75 فصل: في كيفية اللعان وشرطه وثمرته 374
76 فصل في المقصود الأصلي من اللعان 382
77 كتاب العدد 384
78 فصل في العدة بوضع الحمل 388
79 فصل في تداخل عدتي المرأة 391
80 فصل في معاشرة المطلق المعتدة 393
81 فصل في عدة حرة حائل أو حامل 395
82 فصل في سكنى المعتدة وملازمتها مسكن فراقهما 401
83 باب الاستبراء 408
84 كتاب الرضاع 414
85 فصل: في طريان الرضاع على النكاح مع الغرم بسبب قطعه النكاح 420
86 فصل في الاقرار بالرضاع والاختلاف فيه وما يذكر معهما 423
87 كتاب النفقات 425
88 فصل: في موجب النفقة وموانعها 435
89 فصل في حكم الاعسار بمؤنة الزوجة المانع لها من وجوب تمكينها 442
90 فصل في نفقة القريب 446
91 فصل في حقيقة الحضانة وصفات الحاضن والمحضون 452
92 فصل في مؤنة المملوك وما معها 460