مغني المحتاج - محمد بن أحمد الشربيني - ج ٣ - الصفحة ٦٥
يؤجر ويعير ويورث عنه ويوصي بها، ولهذا عبر المصنف بالمنفعة دون أن ينتفع، فإنه لو قال: أوصيت لك بأن تنتفع به حياتك أو بأن تسكن هذه الدار أو بأن يخدمك هذا العبد إباحة لا تمليك فليس له الإجارة ولا الإعارة في أصح الوجهين، ويفارق ما مر بأنه هنا عبر بالفعل وأسنده إلى المخاطب فاقتضى قصوره على مباشرته بخلافه ثم.
تنبيه: إطلاقه المنفعة يقتضي عدم الفرق بين المؤبدة والمقيدة، وهو كذلك كما قطعا به في باب الإجارة، خلافا لما مشينا عليه هنا من أن الوصية المؤقتة إباحة فلا يؤجر. (و) يملك أيضا (أكسابه المعتادة) كاحتطاب واصطياد وأجرة حرفة ونحوها لأنها أبدال المنافع الموصى بها بخلاف النادرة كالهبة واللقطة لأنها لا تقصد بالوصية. وعن ابن عبد السلام أنه قال: ما زلت أستشكل ملك الرقبة دون المنفعة وأقول هذا إنما ينتفع ويملك المنافع، فما الذي بقي لمالك الرقبة؟
حتى رأيت في المنام قائلا يقول: لو ظهر في الأرض معدن ملكه مالك الرقبة دون المنفعة اه‍. وله أيضا عتقه وبيعه من الموصى له. (وكذا مهرها) أي الأمة الموصى بمنفعتها لشخص إن زوجت أو وطئت بشبهة مثلا يملكه الموصى له، (في الأصح) لأنه من فوائد الرقبة كالكسب، وهذا ما في الروضة وأصلها عن العراقيين والبغوي، وجزم به الأكثرون.
والثاني، وهو الأشبه في الروضة وأصلها: أن مهرها لوارث الموصي. أما أرش البكارة إذا لم نقل بالاندراج فهو للوارث لأنه بدل جزء من البدن. ويحرم على الوارث وطئ الأمة الموصى بمنفعتها إن كانت ممن يحبل، لما فيه من خوف الهلاك بالطلق والنقصان والضعف بالولادة والحمل، بخلاف ما إذا كانت ممن لا يحبل، وقيل: يحرم مطلقا كما في المرهونة. وفرق الأول بأن الراهن هو الذي حجر على نفسه وبأنه متمكن من رفع العلقة بأداء الدين بخلاف الوارث فيهما، ولا بد على الأول أن لا يعطل زمن الوطئ ما يستحقه الموصى له من المنفعة كما قاله الأذرعي، فإن وطئ فأولدها فالولد حر نسيب ولا حد عليه للشبهة. وعليه قيمته، ويشترى بها مثله لتكون رقبته للوارث ومنفعته للموصى له كما لو ولدته رقيقا وتصير أمه أم ولد للوارث تعتق بموته مسلوبة المنفعة، ويلزمه المهر للموصى له. وكذا يحرم وطؤها على الموصى له بمنفعتها، فلو وطئها فالولد حر نسيب، ولا حد كما جزم به في أصل الروضة هنا، وقال ابن الرفعة: إنه الصحيح، والأسنوي: إنه أوجه مما جزم به في الوقف أنه يحد كما يحد الموقوف عليه. والفرق أن ملك الموصى له بالمنفعة أتم من ملك الموقوف عليه، بدليل أنها يورث عنه كما مر ولا كذلك الموقوف عليه. قال الأذرعي: وهذا كله فيما لو أوصى له بمنفعتها أبدا، أما لو أوصى له بهامدة فالوجه وجوب الحد عليه كالمستأجر اه‍. والمعتمد كما قال شيخي أنه لا حد مطلقا.
ولو أحبلها الموصى له لم يثبت استيلادها لأنه لا يملكها وعليه قيمة الولد بناء على الأصح الآتي من أن الولد المملوك ليس كالكسب ويشترى بها رقيق، ويكون مثل الأمة رقبته للوارث ومنفعته للموصى له، وقيل: القيمة للوارث. ويجوز تزويج الموصى بمنفعته ومن يزوجه. قال في الوسيط: أما العبد فيظهر استقلال الموصى له به، لأن منع العقد للتضرر بتعلق الحقوق بالأكساب وهو المتضرر. وأما الأمة فيزوجها الوارث على الأصح لملكه الرقبة لكن لا بد من رضا الموصى له لما فيه من تضرره اه‍. وهذا الذي قاله في الأمة يأتي في العبد أيضا، فالوجه أنه لا بد من رضا الموصى له والوارث في الحالين كما قاله شيخي. (ولا ولدها) من نكاح أو زنا، فلا يملكه الموصى له بمنفعة أمه (في الأصح، بل هو كالأم منفعته له ورقبته للوارث) لأنه جزء من الأم فيجري مجراها. والثاني: يملكه الموصى له كالموقوفة. وفرق الأول بأن الملك في الموقوفة أقوى بدليل أنه يملك الرقبة على قول فقوي الاستتباع بخلافه هنا، كذا قيل. وهو كما قال شيخنا مردود بأن الموصى له بالمنفعة أبدا قيل فيه إنه يملك الرقبة أيضا، حكاه الماوردي وغيره. فالأولى أن يفرق بأن الواقف أخرج العين عن ملكه بالوقف على الأصح والموصي لم يخرجها، وإنما أخرج المنفعة، لكن المنفعة استتبعت العين في القول المذكور. (وله) أي الوارث (إعتاقه) أي العبد الموصى بمنفعته ولو مؤبدا، لأنه مالك لرقبته، وتبقى الوصية بحالها، ولا يرجع العتيق عليه بقيمة المنفعة لأنه ملك الرقبة مسلوبة المنفعة، ولا يصح أن يكاتبه ولا أن يعتقه عن كفارته لعجزه عن
(٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كتاب الفرائض 2
2 فصل في بيان الفروض وأصحابها 9
3 فصل في الحجب 11
4 فصل في بيان إرث الأولاد وأولادهم انفرادا واجتماعا 13
5 فصل في بيان إرث الأب والجد وإرث الام في حالة الأب 14
6 فصل في إرث الحواشي 17
7 فصل في الإرث بالولاء 20
8 فصل في ميراث الجد مع الإخوة والأخوات 21
9 فصل لا يتوارث مسلم وكافر 24
10 فصل في أصول المسائل وما يعول منها وقسمة التركة 30
11 كتاب الوصايا 38
12 فصل في الوصية بزائد على الثلث 46
13 فصل في بيان المرض المخوف ونحوه 50
14 فصل في أحكام الوصية الصحيحة 55
15 فصل في الأحكام المعنوية 64
16 فصل في الرجوع عن الوصية 71
17 فصل في الوصاية 72
18 كتاب الوديعة 79
19 كتاب قسم الفيء والغنيمة 92
20 فصل في الغنيمة وما يتبعها 99
21 كتاب قسم الصدقات 106
22 فصل في بيان ما يقتضي صرف الزكاة لمستحقها وما يأخذه منها 113
23 فصل في حكم استيعاب الأصناف والتسوية بينهم وما يتبعها 116
24 فصل في صدقة التطوع 120
25 كتاب النكاح 123
26 فصل: في الخطبة 135
27 فصل في أركان النكاح وغيرها 139
28 فصل لا تزوج امرأة نفسها 147
29 فصل في موانع ولاية النكاح 154
30 فصل في الكفاءة المعتبرة في النكاح 164
31 فصل في تزويج المحجور عليه 168
32 باب ما يحرم من النكاح 174
33 فصل: فيما يمنع النكاح من الرق 183
34 فصل في نكاح من تحل ومن لا تحل من الكافرات وما يذكر معه 186
35 باب نكاح المشرك 191
36 فصل: في حكم زوجات الكافر بعد إسلامه الزائدات على العدد الشرعي 196
37 فصل في حكم مؤن الزوجة إذا أسلمت الخ 201
38 باب الخيار والإعفاف ونكاح العبد 202
39 فصل: في الإعفاف ومن يجب له وعليه 211
40 فصل في نكاح الرقيق من عبد أو أمة 215
41 كتاب الصداق 220
42 فصل في الصداق الفاسد وما يذكر معه 225
43 فصل في التفويض مع ما يذكر معه 228
44 فصل في ضابط مهر المثل 231
45 فصل فيما يسقط المهر وما يشطره وما يذكر معها 234
46 فصل في أحكام المتعة 241
47 فصل في التحالف عند التنازع في المهر المسمى 242
48 فصل في الوليمة 244
49 كتاب القسم والنشوز 251
50 فصل في حكم الشقاق بالتعدي بين الزوجين 259
51 كتاب الخلع 262
52 فصل الفرقة بلفظ الخلع طلاق 268
53 فصل في الالفاظ الملزمة للعوض 271
54 فصل في الاختلاف في الخلع أو عوضه 277
55 كتاب الطلاق 279
56 فصل: في جواز تفويض الطلاق للزوجة 285
57 فصل في اشتراط القصد في الطلاق 287
58 فصل في بيان الولاية على محل الطلاق 292
59 فصل في تعدد الطلاق بنيه العدد فيه وغير ذلك 294
60 فصل في الاستثناء 300
61 فصل في الشك في الطلاق 303
62 فصل في الطلاق السني وغيره 307
63 فصل في تعليق الطلاق بالأوقات وما يذكر معه 313
64 فصل في تعليق الطلاق بالحمل والحيض وغيرهما 319
65 فصل في الإشارة للطلاق بالأصابع وفي غيرها 326
66 فصل في أنواع من التعليق 329
67 كتاب الرجعة 335
68 كتاب الايلاء 343
69 فصل في أحكام الايلاء من ضرب مدة وغيره 348
70 كتاب الظهار 352
71 فصل: في أحكام الظهار من وجوب كفارة الخ 355
72 كتاب الكفارة 359
73 كتاب اللعان 367
74 فصل: في قدف الزوج زوجته خاصة 373
75 فصل: في كيفية اللعان وشرطه وثمرته 374
76 فصل في المقصود الأصلي من اللعان 382
77 كتاب العدد 384
78 فصل في العدة بوضع الحمل 388
79 فصل في تداخل عدتي المرأة 391
80 فصل في معاشرة المطلق المعتدة 393
81 فصل في عدة حرة حائل أو حامل 395
82 فصل في سكنى المعتدة وملازمتها مسكن فراقهما 401
83 باب الاستبراء 408
84 كتاب الرضاع 414
85 فصل: في طريان الرضاع على النكاح مع الغرم بسبب قطعه النكاح 420
86 فصل في الاقرار بالرضاع والاختلاف فيه وما يذكر معهما 423
87 كتاب النفقات 425
88 فصل: في موجب النفقة وموانعها 435
89 فصل في حكم الاعسار بمؤنة الزوجة المانع لها من وجوب تمكينها 442
90 فصل في نفقة القريب 446
91 فصل في حقيقة الحضانة وصفات الحاضن والمحضون 452
92 فصل في مؤنة المملوك وما معها 460