وجاء الحق - سعيد أيوب - الصفحة ١٦
الخاتمة، كانوا قد انتهى بهم المطاف إلى أرضية الاختلافات والانشعابات، التي أفرزتها اختراعاتهم وهوسهم، بعد أن صبغوا دين الله بصبغة الأهواء والأغراض والمطامع، وروي أن اليهودي عبد الله بن صوريا قال للرسول صلى الله عليه وآله وسلم:
ما الهدى إلا ما نحن عليه، فاتبعنا يا محمد تهتد، وقالت النصارى مثل ذلك (1)، فقال الله لرسوله: (قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين)، أي: قل بل نتبع ملة إبراهيم حنيفا، فإنها الملة الواحدة التي كان عليها جميع أنبيائكم، وما كان صاحب هذه الملة - وهو إبراهيم - من المشركين.
ثم ذكر لهم أن الدعوة الخاتمة تؤمن بالله وما أنزل إليها، وهو القرآن، وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، ثم ذكر ما أوتي موسى وعيسى، وخصهما بالذكر، لأن المخاطبة مع اليهود والنصارى، ثم ذكر ما أوتي النبيون من ربهم، لتشمل الشهادة جميع الأنبياء، فيستقيم قوله بعد ذلك: (لا نفرق بين أحد منهم)، ثم قال تعالى: (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا)، أي فإن آمنوا بما آمنتم به من الإيمان بجميع كتب الله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم، فقد أصابوا الحق وأرشدوا إليه.
من الآيات السابقة يمكن أن نستشف الثقافة التي كان اليهود والنصارى يبثونها على عهد الرسالة الخاتمة، فلقد ادعوا بأنهم أبناء الله وأحباؤه، وقالوا: كونوا هودا أو نصارى تهتدوا، ويبدو أن القرآن عندما ضرب العمود الفقري لثقافتهم هذه، قرروا بأن يعمل كل حي من أحيائهم على انفراد، ويمكن أن نستشف ذلك من قوله تعالى: (وقالت اليهود ليست النصارى على شئ وقالت النصارى ليست اليهود على شئ وهم يتلون الكتاب) [البقرة:
113]، قال المفسرون: " هؤلاء أهل الكتاب الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا القول يقتضي أن كلا من الطائفتين صدقت في ما رمت به الطائفة الأخرى، ولكن ظاهر سياق الآية يقتضي ذمهم في ما قالوه مع علمهم .

(١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 ... » »»
الفهرست