وجاء الحق - سعيد أيوب - الصفحة ١٩
كون النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو النبي الموعود الذي بشر به التوراة والإنجيل، مع مشاهدتهم انطباق الآيات والعلائم المذكورة فيهما عليه، وأيضا إنكارهم ما يبينه لهم النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم من آيات ربهم التي تنطق بها كتبهم التي بين أيديهم، ويشهد القرآن بها، ثم قال تعالى: (يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون) [آل عمران: 71]، والمعنى: لم تظهرون الحق في صورة الباطل؟ وقوله: (وأنتم تعلمون) دلالة أو تلويح على أن المراد باللبس والكتمان ما هو في المعارف الدينية، غير ما يشاهد من الآيات التي حرفوها أو كتموها أو فسروها بغير ما يراد منها.
ولما كان الله - تعالى - قد أنكر عليهم كفرهم بآيات الله وهم يشهدون، فإنه - تعالى - بين في آية أخرى من آيات القرآن الكريم، أن جدالهم في آيات الله بغير سلطان أتاهم، رغبة منهم في إدحاض الحق الصريح بهذا الجدال، قد أوقعهم في فتنة المسيح الدجال، ففي قوله تعالى: (إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير) [غافر: 56]، أخرج ابن أبي حاتم عن كعب، أن هذه الآية نزلت في اليهود في ما ينتظرونه من أمر الدجال، وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج، قال: قال اليهود: يكون منا ملك آخر الزمان، البحر إلى ركبتيه، والسحاب دون رأسه، يأخذ الطير بين السماء والأرض، معه جبل خبز ونهر، وقال أبو العالية: نزلت هذه الآية في اليهود، وذلك أنهم ادعوا أن المسيح (الدجال) منهم، وأنهم يملكون به الأرض، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يستعذ من فتنة الدجال (1).
وبالجملة، بينت الدعوة الإلهية الخاتمة أن الرقعة التي يقف عليها أهل الكتاب ويطالبون من فوقها بالميراث الذي كتبه الله لإبراهيم، رقعة لا علاقة لها بإبراهيم ولا بالأنبياء الذين جاؤوا من بعده، لأنها رقعة أوجدتها .

(١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 ... » »»
الفهرست