وجاء الحق - سعيد أيوب - الصفحة ١٢
ولما كانت الدعوة الإلهية المتوجهة إلى بني إسرائيل قد نزل عليها الستار بعد بعثة عيسى عليه السلام، لأنه آخر أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام، ولما كان عيسى عليه السلام يسجد لله في اتجاه أورشاليم، ولما كانت الدعوة الإلهية اللاحقة تبدأ من حيث انتهت الدعوة الإلهية التي سبقتها، باعتبار أن الدعوة الإلهية للناس - منذ ذرأ الله ذرية آدم - دعوة واحدة، صراطها واحد، وغاياتها واحدة، فتبدأ دعوة اللاحق من الرسل من حيث انتهت دعوة السابق منهم ثم يفعل الله ما يشاء ويحكم ما يريد، ويكلف عباده بما شاء وينسخ ما يشاء، لأنه - تعالى - له الحكمة التامة والحجة البالغة في جميع ذلك، ولما كان أهل الكتاب يعلمون من كتب أنبيائهم أن الدعوة الخاتمة لها صفات خاصة بها، وأنها ستبين لهم ولغيرهم الاتجاه الذي يجب أن يسجد الناس نحوه، فإن الله - تعالى - عندما بعث رسوله الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم، أمره بالتوجه إلى قبلة بيت المقدس، والمعنى الذي يستشف من هذا الحدث هو أن الدعوة الإلهية دعوة واحدة، وأن الحلقات فيها ترتبط بعضها ببعض، وتحت هذا السقف تقام الحجة على الذين اختلفوا في الدين والذين جعلوا الدين دينا خاصا بهم، تحت هذا السقف ينظر الله إلى عباده كيف يعملون، ومن يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه.
وعند ما كانت القبلة في اتجاه بيت المقدس، تدبر في الأحداث الذين يعرفون الحق ومعارف الدين، والزهاد من أهل الكتاب، وأصغوا لصوت الحق، وتكاتم البعض ذلك بينهم حسدا وكفرا وعنادا، وانطلقوا يصدون عن سبيل الله، وبعد أن أقامت الدعوة حجتها على بني إسرائيل في هذا الأمر، أمر - تعالى - رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بأن يولي وجهه شطر المسجد الحرام بمكة، وأخبره بأن أهل الكتاب يعلمون أنه الحق من ربهم، قال تعالى: (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا
(١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 6 7 9 10 11 12 13 14 15 16 17 ... » »»
الفهرست