عقائد السنة وعقائد الشيعة ، التقارب والتباعد - صالح الورداني - الصفحة ١١٧
والحق أن مثل هذه النتيجة إنما تولدت من خلال الممارسات المنحرفة للحكم في التاريخ، والتي اختفت فيها صورة الشورى والاختيار الحر.
ومثل هذه الحكومات التي قامت بالغصب والوراثة لا يصح أن تتخذ مقياسا للتطبيق الإسلامي الصحيح، وإن كان الفقهاء قد اعترفوا بهذه الحكومات وأضفوا عليها الشرعية. وقد عمل أهل السنة على حصر الإمامة في قريش وهو الشعار الذي رفعه الجناح القرشي بقيادة أبي بكر وعمر في مواجهة الأنصار (الأوس والخزرج) عند اشتداد النزاع على الحكم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله.
وقال أبو بكر: إن العرب لا تدين إلا بهذا الدين من قريش.. (1).
ونقلوا قول الرسول صلى الله عليه وآله: " إن هذا الأمر (الحكم) في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين " (2).
وقول الرسول صلى الله عليه وآله: " لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان " (3).
إلا أن هذه القاعدة شذ عنها بعض الفقهاء في مقدمتهم ابن خلدون الذي اعتبر أن قريشا كانت مركز العصبية في العرب آنذاك وأن العصبية من الممكن أن تنتقل منها إلى مناطق أخرى، وبالتالي يصبح وجود إمام من خارج قريش أمرا مقبولا شرعا، هذا لكون أن كثيرا من حكام المسلمين ليسوا من قريش كالعثمانيين والمماليك من قبلهم (4).

(١) أنظر أحداث السقيفة في كتب التاريخ.. انظر لنا السيف والسياسة.
(٢) رواه البخاري.. كتاب الأحكام.. ويذكر أن راوي هذا الحديث هو معاوية بن أبي سفيان في معرض الهجوم على عبد الله بن عمرو بسبب أنه حدث أنه سيكون ملك من قحطان، ولعل معاوية رأى في رواية ابن عمرو تهديدا لسلطانه.. انظر فتح الباري: ١٣ / 114.
(3) البخاري كتاب الأحكام.
(4) وهذه نظرة تبريرية في مواجهة النصوص.. انظر مقدمة ابن خلدون.. ويذكر أن المماليك بداية من عصر الظاهر بيبرس أرادوا تطبيق حديث الأئمة في قريش حتى يضفوا على حكمهم الشرعية فقاموا باستجلاب بقية العائلة العباسية الفارة من وجه التتار إلى مصر وأحيوا الخلافة العباسية وجعلوا القاهرة مقرا لها.. غير أن خلفاء بني العباس في مصر لم يكونوا سوى صورة أو لافتة توضع وتنزع وتستبدل حسب أهواء المماليك.
(١١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 110 111 113 115 116 117 118 119 120 121 122 ... » »»
الفهرست