الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية - الصفحة ٣٦٧
بأخبار الكتاب الكثيرة. وإذا أراد أن يقيمها، وجب عليه أن يكتفي بطرق النقد الداخلي المحض، لعدم توفر طرق التحقيق الخارجي.
وقد يكتشف هذا النقد، هنا وهناك، بعض آثار التنافر أو التوتر في الروايات، ويبدو أنها صادرة، إما عن ارتياب أو نقص في ما لدى المؤلف من الأخبار، وإما عن قصد حمله على تحوير أو تفسير الأخبار التي حصل عليها من المراجع. ومعقولية الروايات تشكل مقياسا آخر، ولكنه خطير الاستعمال، لأن الاعتبارات التي يأخذ بها ليست كلها من النوع التاريخي. فأصعب المسائل هي مسألة الخوارق ولا سيما روايات المعجزات. أجل، إنه من الممكن، لا بل من الأرجح، حينا بعد آخر، إن المؤلف أو مراجعه قد بالغت في هذا الجانب من رواية بعض الأحداث. ولكن يجب على النقد ألا ينسى أن المعجزات كانت ذات شأن هام في المسيحية القديمة (روم 15 / 18 و 2 قور 12 / 12 وعب 2 / 4). ففي هذه الأحوال، وفضلا عن اهتداء بولس، فإن سفر أعمال الرسل يرسم صورة لأمور حقيقية تثبتها شواهد أخرى.
إن تاريخية الخطب في سفر أعمال الرسل تطرح مسائل أشد تعقدا من مسائل الأقسام الروائية.
فلا يخفى على أحد أن المؤرخين القدماء كانوا يعدون أمرا طبيعيا أن يؤلفوا، بكثير أو قليل من التصرف، ما يجعلون من الخطب على ألسنة الأشخاص الذين يتكلمون عليهم. إن قصر أكثر خطب أعمال الرسل لا يسمح بأن نرى فيها خطبا مختزلة أو ذكريات حفظت بكاملها. فهناك أمور غير معقولة أو وجوه شبه في اللغة والتفكير بين الخطب والروايات، تدل على تدخل المؤلف في إنشاء الخطب.
لكن هذه الملاحظات لا تجيز لنا أن ننكر عليها كل قيمة وثائقية. فهناك أسباب وجيهة تحملنا على الاعتقاد على سبيل المثل أن البنية الإجمالية وبعض المواد التي نجدها في الخطب الرسولية أو في خطاب بولس إلى شيوخ أفسس (20 / 18 - 38) تعكس بأمانة مختلف أساليب إعلان البشارة المسيحية. أما سائر الخطب، فإنها مقبولة على العموم، ولكن التقدير الصحيح لقيمتها التاريخية متوقف إلى حد بعيد على الثقة المولاة لأخبار المؤلف ولا سيما " ليوميات السفر ".
وهناك ناحية أخيرة لسفر أعمال الرسل من جهة كونه وثيقة تاريخية لا بد من لفت النظر إليها، هي إغفاله بعض الأمور. فالكتاب على سبيل المثل لا يقول شيئا في إنشاء كنائس كثيرة يذكرها (28 / 13) ولا يفوه بكلمة عما وقع من خلافات بين بولس وكنيسة قورنتس (19 / 1). فإغفال هذه الأمور وغيرها، أيا كانت أسبابه، يدل على أن أعمال الرسل ليست تاريخا عاما للمسيحية القديمة ولا سيرة كاملة لبولس.
[التفكير اللاهوتي في سفر أعمال الرسل] إذا قلنا أن سفر أعمال الرسل ليس إلا وثيقة تاريخية، ضللنا الطريق. إنه يستنير بنور الإيمان وهو يفسر التاريخ الذي يرويه. فالخطب أولا " تقرأ " على طريقتها التاريخ الماضي الذي تستحضره عندما تسنح الفرصة، أو حتى هذا الحادث الحاضر أو ذاك (2 / 16 - 21 و 33 و 14 / 10 - 12 و 11 / 17 الخ). لكن هذا التفسير في ضوء الإيمان يبرز أيضا في الأقسام الروائية التي يتدخل فيها الله تدخل عامل في الأحداث المروية، فهو يعمل عن يد ملاكه أو روحه أو عن يد المرسلين المسيحيين. إن نمو
(٣٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 360 361 363 365 366 367 368 369 370 371 372 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة