الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية - الصفحة ٣٧١
ينتقد هذه الأحوال في حد ذاتها، فكأن في ذلك دليلا على أنه يجدها طبيعية.
غير أن إسرائيل هذا، وقد أصبح المستفيد من المواعد في يسوع " الرب المسيح "، عليه أن ينفتح للأمم بطرق عملية لم يوح بها يسوع ولا الله إلى المؤمنين اليهود. فالله نفسه يتدخل في اهتداء القلف الأولين، قرنيليوس وأنسبائه في قيصرية (10 / 1). فهو يكشف لبطرس أن مخالطة هؤلاء الناس المطهرين بالإيمان ومجالستهم إلى المائدة لا يمكن أن تكونا لليهودي سبب " نجاسة " (10 / 28 و 35).
والكنيسة اليهودية المسيحية في أورشليم قد سلمت بهذا الحدث ورحبت به (11 / 18)، ولكن بعض أعضائها فسروه على أنه شذوذ عن القاعدة، فقد أرادوا بعد مدة أن يفرضوا على اليونانيين المهتدين في أنطاكية (11 / 20 - 21) الختان والشريعة كما تفرض أمور ضرورية للخلاص (15 / 1 و 5). ولعل في ذلك وسيلة جذرية لحل المشاكل التي طرحها التعايش والجلوس إلى مائدة واحدة بين اليهود وغير اليهود في الكنائس. ففي نظر مؤلف سفر أعمال الرسل، ظهر حل هذه المشاكل حلا تاما في قيصرية، وهو يصف الانتصار بارتياح ظاهر في أورشليم (15 / 4 - 29)، أجل، لقد تم هذا الانتصار بالتراضي (15 / 19)، علما بأن هذا التراضي ينقذ روح " المشاركة " في الكنيسة. ولكن الجوهر بقي سالما. فسواء كان ختان أم لا، لا يخلص المسيحيون إلا بالإيمان وبنعمة الرب يسوع (15 / 9 و 11).
فلأي سبب يبقى اليهودي المسيحي محافظا على الختان والشريعة؟ لا يذكر المؤلف شيئا من ذلك، ولعله لم يطرح على نفسه هذا السؤال. وعلى كل، يبدو أنه لم يول هذا السؤال أهمية كبرى، لاعتقاده أن الخلاص، بعد أن رفض الإنجيل معظم اليهود (13 / 46)، معروض منذ اليوم للوثنيين خصوصا، إن لم نقل لهم وحدهم (28 / 28 - 30).
[لمن ولماذا سفر أعمال الرسل؟] من هم القراء الذين قصدهم المؤلف، وما هي الأسباب التي حملته على تأليف كتابه؟ لهذين السؤالين أهمية كبرى في سبيل تفهم الناحية التاريخية والعقائدية من تأليف كتابه.
الراجح أن المؤلف لم يستثن اليهود من حلقة قرائه، فلعل في قلوب بعضهم وقعا لموضوع إتمام الكتب ولما كان للمسيحيين المختونين من ولاء لليهودية. ولكنه من غير المحتمل أن يكون سفر أعمال الرسل موجها خصوصا إلى قراء يهود، فالمؤلف يفرط في تشديده على رفض إسرائيل للإنجيل وعلى مسؤولية اليهود في موت يسوع (2 / 23 و 3 / 13 - 15 و 13 / 27 - 29) وعلى العقبات التي اعترضت الرسالة المسيحية. فالرأي أن المقصودين هم قراء وثنيون رأي أشد قبولا لأول وهلة، فلهم يعرض الخلاص في آخر الأمر (28 / 28). وأما بولس، المرسل المسيحي الرئيسي، فهو مواطن روماني منذ مولده (16 / 37)، والمحاكم الرومانية لا تنفك تعترف ببراءته (18 / 15). وذلك صواب، لأن " الطريقة " التي يبشر بها ليست حركة سياسية ثورية (17 / 7) ولا دينا جديدا غير شرعي (18 / 13).
فإذا كان يستبعد أن يكون سفر أعمال الرسل مرافعة يراد بها الدفاع عن بولس أمام محكمة الإمبراطور، فمن المعقول أن نعتقد أن المؤلف وضع هذا الكتاب ظنا منه أنه قد يفيد القراء الذين كانوا لا يزالون وثنيين.
(٣٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 366 367 368 369 370 371 372 373 374 375 376 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة