الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية - الصفحة ٣٧٢
وآخر الأمر، إذا نظرنا إلى محتوى الكتاب وإلى الإيمان المعبر عنه بوضوح على وجه مطرد وإلى المسائل التي يتناولها الكتاب، رأينا أن المؤلف يكتب قبل كل شئ إلى قراء مسيحيين. أفيكون هدفه الأول أن يدافع عن مواقف بولس الرسولية تجاه اليهود المسيحيين؟ لو كان الأمر كذلك، لحاول المؤلف إخفاء ما كان للجيل المسيحي الأول من ولاء لليهودية من شأنه أن يزود أولئك الخصوم بالحجج. يبدو في الحقيقة أن اهتمامه الأساسي كان إيجابيا. فقد كتب أعمال الرسل، كما كتب الإنجيل، لتعليم المسيحيين وبنيانهم. فلذلك روى كيف أن كلمة الله انتشرت، إلى اليوم الذي دوت فيه " بحرية وبدون عقبة " حتى في رومة. وهو في تشديده على شأن الإيمان يقاوم بعض النزعات اليهودية المحتملة، وباحترامه لولاء المسيحيين المختونين للشعائر اليهودية يجرد إخوتهم القلف من بعض أسباب انتقادهم لهم. فهو في الحقيقة رجل الوحدة والمشاركة، يدعو الكنيسة إلى أن تحيا، بقيادة الروح القدس، كما تحيا كنيسة أورشليم التي لم يكن لها سوى قلب واحد ونفس واحدة.
[المؤلف وتاريخ التأليف] من الممكن، كما يدل هذا المدخل على الأمر، أن نتكلم طويلا على سفر أعمال الرسل من دون أن نهتدي إلى مؤلفه ولا أن نذكر تاريخ تأليفه. لكن هذين السؤالين التقليديين لا بد أن يطرحهما من أراد أن يقيم هذا الكتاب ويحسن فهمه.
إن مؤلف سفر أعمال الرسل هو مؤلف الإنجيل الثالث. هذا أمر اقتنع به التقليد طوال القرون.
يضاف إلى ذلك أن المقارنة بين مقدمتي الكتابين تقتضي هذه الوحدة: فالكتابان مرفوعان إلى تاوفيلس (لو 1 / 3 ورسل 1 / 1)، وفي مقدمة أعمال الرسل تلميح إلى الإنجيل (رسل 1 / 1). ثم إن النظر في لغة المؤلفين وأفكارهما يؤيد هذه الوحدة تأييدا شديدا. ولكن من المؤلف؟ إن وجود الأجزاء بصيغة " نحن " يوحي بأن المؤلف كان منتميا إلى بيئة بولس. يضاف إليه أن الاعتدال في ذلك الإيحاء الذي يخصه الكتاب برسالة بولس والتوافق الوثيق بين أفكار المؤلف وأفكار بولس أمران يدعواننا إلى البحث عن هوية المؤلف من هذه الجهة، فيكون " لوقا الطبيب الحبيب " (قول 4 / 14 وف 24) المرشح الممكن الوحيد. ولكن هناك أمورا لا بد من النظر فيها. فالتوافق بين أفكار سفر أعمال الرسل وأفكار بولس في رسائله يبقى، على أقل تقدير، غير أكيد في شؤون بعضها مهم كمعنى الرسالة على سبيل المثال (13 / 31) ومكانة الشريعة. وكذلك تأكيد سفر أعمال الرسل لبعض الأشياء أو إهماله لغيرها يدعوان إلى الدهش. فكيف يمكن رفيق لبولس، معروف، لما ورد في وثائق أخرى، باهتمامه الشديد بمسألة اهتداء الوثنيين، أن يسكت عن الأزمة الغلاطية؟ لا شك أن لهذه المسائل شأنها.
ولكن هل يستنتج من ذلك أنه لا يمكن أن يكون مؤلف الإنجيل الثالث وسفر أعمال الرسل رفيقا لبولس وأن اقتراح اسم لوقا مستبعد استبعادا تاما؟ أقل ما يقال أن هذا الأمر قابل للبحث.
أما تاريخ تأليف الكتاب، فهناك أمر واضح، وهو أنه وضع، بحسب المقدمة (1 / 1)، بعد الإنجيل الثالث. إن تحديد تاريخ محدد ظل مدة طويلة مسألة بسيطة: فإذا كان المؤلف لا يذكر شيئا عن الخاتمة الرومانية لدعوى أفاض في رواية مرحلتها الفلسطينية، فذلك بأنه لم يطلع عليها، لأنه وضع كتابه " سنتين " (28 / 30) بعد وصول بولس إلى رومة، أي في نحو 62 - 63، قبل نهاية
(٣٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 367 368 369 370 371 372 373 374 375 376 377 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة