شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق (ص) - الشيخ يوسف بن اسماعيل النبهاني - الصفحة ١٤٣
لا يخل بتوحيده سبحانه وتعالى هو من لباب توحيده وخالص دينه وأحسن أنواع عباداته عز وجل، فكيف يقال مع هذا إن تعظيمهم يخل بالتوحيد، هذا والله عكس الموضوع، ولا يقدم على القول به مسلم موفق، فالحمد الله الذي عافانا مما ابتلى به كثيرا من خلقه ولو حصل من المخالفين أدنى تدقيق لعرفوا أنفسهم على الباطل بشذوذهم عن السواد الأعظم، وهو جمهور أمته صلى الله عليه وسلم حتى إن العلم بهذه المسألة: أي مشروعية السفر لزيارة النبي صلى الله عليه وسلم، ومثله الاستغاثة به صلى الله عليه وسلم من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة عند جميع العلماء والعوام من أهل الإسلام، حتى قال بعض أئمة المالكية كما نقله السبكي في [شفاء السقام] وابن حجر في [الجوهر المنظم] بكفر المانعين لذلك وإن كان هذا القول غير معتمد، وليس في شئ من الاستغاثة وشد الرحل ما يأباه العقل أو النقل، وحديث منه شد الرحال هو وارد في المساجد بالتصريح، ولا داعي إلى تعميمه في غيرها، وعبارته لا تفيد ذلك من جهة العربية، وهو غير صحيح من جهة الأحكام الشرعية، وتفصيل ذلك تقدم في الباب الأول، وكل ما أتوا به في هذا الباب من المحاذير والأوهام تأباه هذه الشريعة الحنيفية السمحة ولا يقتضيه دين الإسلام ولا يخفى على أحد من المسلمين، بل وغير المسلمين عنده أدنى إلمام بمعرفة هذا الدين المبين وأحوال من اتبعه من المؤمنين أن جمهور الأمة المحمدية من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين والصوفية وغيرهم من الخواص والعوام من جميع مذاهب الإسلام، متفقون بالقول والفعل على استحسان الاستغاثة والتوسل والتشفع بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى لقضاء الحوائج الدنيوية والأخروية، واستحباب شد الرحال، والسفر لزيارته صلى الله عليه وسلم من الأقطار البعيدة والقريبة حتى صار ذلك عندهم بمنزلة الأمور المعلومة من الدين بالضرورة بحيث لا يجهله ولا يتصور خلافه أحد، بل لا يتوهم خلافه ولا يتخيله كثير من طلبة العلم فضلا عن جمهور العامة الذين لا يخطر شئ من ذلك في بال أحد منهم، بل ولا يجوزون أنه يوجد مخالف من المسلمين في استحسان ذلك، وما زالت الأمة بحمد الله تعالى كذلك يتلقاه المتأخرون عن المتقدمين، ويعتقدون كما هو الواقع أن ذلك من أفضل الطاعات وأكمل القربات إلى أن شذ عنهم أقل من القليل من بعض العلماء أشهرهم في ذلك ابن تيمية وتلميذاه المذكوران، وكل المخالفين لو جمعوا في سالف الأعصار لا يجتمع منهم إلا شر ذمة في غاية القلة لو نسبناها إلى ذلك الجمهور الأعظم من علماء الأمة على اختلاف المذاهب والمشارب لوجدنا في مقابلة كل واحد من المخالفين ألوف ألوف من أولئك العلماء
(١٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 ... » »»