شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق (ص) - الشيخ يوسف بن اسماعيل النبهاني - الصفحة ١٤٧
أن ما ورد من الآيات والأحاديث في ذم أعدائه تعالى هو تحقير من الله تعالى لهم. أليس من تمام طاعته تعالى أن نعظم ونحب أصفياءه الذين أثنى عليهم وعظمهم، ونحقر ونبغض أعداءه الذين ذمهم وحقرهم؟ أليس هو تعالى الذي دلنا بالثناء على أوليائه على رعايته لهم وعلو مقامهم عنده ومحبته إياهم، فإذا عظمناهم وتقربنا وتشفعنا وتوسلنا بهم إليه لقضاء حوائجنا الدنيوية والأخروية مع اعتقادنا الجازم الذي لا يعتريه خلل ولا يشوبه خطأ ولا زلل أنهم عبيده، وليس لهم معه من الأمر شئ، وأنه تعالى يشفع من شاء منهم ويرد شفاعة من شاء (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) ولا يجب عليه تعالى لأحد شئ، وإنما هو من فضله أثنى عليهم في كتابه وأثنى عليهم نبيه صلى الله عليه وسلم في أحاديثه ببيان أوصافهم الجميلة، وهي كلها ترجع إلى صدق عبوديتهم لله تعالى وحسن خدمتهم له عز وجل فعظمناهم لذلك واتخذناهم وسائط لقضاء حوائجنا عنده لكونهم وإن شاركونا في أصل العبودية له تعالى، فقد امتازوا عنا بما تفضل الله عليهم به من الرسالة والنبوة والولاية وكثرة العلم والعمل والمعرفة والطاعات وسائر الخدمات التي تليق به تعالى أنكون بذلك قد أشركنا بعبادته تعالى، أو نكون قد أطعناه سبحانه وتعالى بتعظيم من عظم الله واحتقار أنفسنا عن أن نكون أهلا لطلب حوائجنا منه تعالى بلا واسطة لكثرة ذنوبنا وتقصيرنا في طاعة مولانا عز وجل ولذلك اتخذنا أفضل عبيدة وسائل إليه لنوال فضله، فهذا لا يشك عاقل بأنه من حسن الأدب مع الله تعالى الذي يترتب عليه رضاه، والحمد الله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
واعلم أن هذه الشر ذمة الشاذة التي تمنع من ذلك هي توافق جمهور العلماء والمسلمين في أن الأنبياء الله تعالى وأوليائه خصوصية عند الله تعالى امتازوا بها عن سائر الناس في حياتهم ويوم القيامة وأنه يجوز الاستغاثة والتوسل والاستشفاع بهم إلى الله تعالى في هاتين الحالتين لورود الأحاديث الصحيحة بذلك، ويسلمون حياة الأنبياء في قبورهم لصحة الأحاديث الكثيرة بها; ولكن يقولون إنها حياة برزخية دون حياة الدنيا والآخرة، ويسلمون أن لأرواح الأولياء بل لأرواح سائر المؤمنين وغيرهم اتصالا بأجسامهم في قبورهم وأنها تزورها في بعض الأحيان وأنهم يعلمون بمن يزورهم، وأن الميت يتأذى مما يتأذى منه الحي، ولذلك حرم الجلوس على القبور والمشي عليها لورود الأحاديث الصحيحة بذلك، وأنه يستحب زيارة القبور ومخاطبة الأموات بما ورد في الأحاديث الصحيحة من قول الزائر: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإذا كان الأمر كذلك فلم
(١٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 ... » »»