شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق (ص) - الشيخ يوسف بن اسماعيل النبهاني - الصفحة ١٥٠
من اعتنائه بهم في حياته لأنه في حياته كان مشغولا بالتكليف وبعد موته طرح عنه الأعباء وتجرد، والحي فيه خصوصية وبشرية، وربما غلبت إحداهما الأخرى وخصوصا في هذا الزمان فإنها تغلب البشرية، والميت ما فيه إلا الخصوصية فقط. وقال القطب الحداد أيضا: إن الأخيار إذا ماتوا لم تفقد منهم إلا أعيانهم وصورهم، وأما حقائقهم فموجودة، فهم أحياء في قبورهم، وإذا كان الولي حيا في قبره فإنه لم يفقه شيئا من علمه وعقله وقواه الروحانية بل تزداد أرواحهم بعد الموت بصيرة وعلما وحياة روحانية وتوجها إلى الله تعالى، فإذا توجهت أرواحهم إلى الله تعالى في شئ قضاه سبحانه وتعالى وأجراه إكراما لهم، وهذا معنى قول بعضهم: إن لهم التصرف، فالتصرف الحقيقي الذي هو التأثير والخلق والإيجاد لله تعالى وحده لا شريك له، ولا تأثير للولي ولا غيره في شئ قط لا حيا ولا ميتا، فمن اعتقد أن للولي أو غيره تأثيرا في شئ فهو كافر بالله تعالى، فأهل البرزخ من الأولياء في حضرة الله تعالى; فمن توجه إليهم وتوسل بهم فإنهم يتوجهون إلى الله تعالى في حصول مطلوبه، فالتصرف الحاصل منهم هو توجههم بأرواحهم إلى الله تعالى والتصرف الحقيقي لله وحده، فالواقع منهم من جملة الأسباب العادية التي لا تأثير لها، وإنما يوجد الأمر عندها لا بها على حسب ما أجراه الله تعالى من العوائد ا ه‍.
ثم ذكر في كتابه المذكور شيئا من كلام سيدي أبي المواهب الشاذلي، ومنه قوله سمعت شيخنا أبا عثمان المغربي رضي الله عنه يقول: إذا زار الإنسان قبر الولي فإن ذلك الولي يعرفه، وإذا سلم عليه يرد عليه السلام وإذا ذكر الله على قبره ذكر معه لا سيما إن ذكر لا إله إلا الله فإنه يقوم ويجلس معه متربعا ويذكر معه، ثم قال الشيخ أبو المواهب رضي الله عنه: وحاشا قلوب العارفين أن تخبر بغير فهم، ومعلوم أن الأولياء أحياء في قبورهم إنما ينقلون من دار إلى دار، فحرمتهم أموات كحرمتهم أحياء، والأدب معهم بعد موتهم كالأدب معهم حال الحياة وفي حال الموت، وإذا مات الولي صلى عليه جميع أرواح الأنبياء والأولياء. قال: وعلى هذا الذي ذكره شيخنا قول صاحب الحقائق والدقائق حاشا الصوفي أن يموت. وكان الشيخ أبو المواهب رضي الله عنه أيضا يقول:
من الأولياء من ينفع مريده الصادق بعد مماته أكثر مما ينفعه حال حياته، ومن العباد من تولى الله تعالى تربيته بنفسه بغير واسطة، ومنهم من تولاه بواسطة بعض أوليائه ولو ميتا في قبره فيربي مريده وهو في قبره ويسمع مريده صوته من القبر ولله عباد يتولى تربيتهم النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه من غير واسطة لكثرة صلاتهم عليه صلى الله عليه وسلم.
(١٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 ... » »»