شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٢٢
الشرائط ورد بأن العدم لا يدل على الامتناع وأما الثاني فلأنه لو جاز عدم الإبصار معها لجاز أن يكون بحضرتنا جبال شاهقة ورياض رائقة ونحن لا نراها واللازم باطل قطعا ورد بأنه إن أريد باللازم إمكان ذلك في نفسه فلانم بطلانه وإن أريد الاحتمال والتجويز العقلي بحيث لا يكون انتفاؤه معلوما عند العقل على سبيل القطع فلانم لزومه فإن ذلك من العلوم العادية على ما سبق تحقيقه ومنهم من قال أن اشتراط هذه الشروط إنما هو عند تعلق النفس بالبدن هذا التعلق المخصوص أو كون الباصرة على هذا القدر من القوة لا على حد آخر فوقه كما في الآخرة قال أو في حكم المقابل يعني كما في رؤية الوجه في المرآة قال وأما الحواس الباطنة هي أيضا على حسب ما وجدناه خمس وإن احتمل إمكان غيرها وما يقال أنها إما مدركة وإما معينة على الإدراك والمدركة إما مدركة للصور أو للمعاني والمعينة إما حافظة للصور أو للمعاني وإما متصرفة فيها فوجه ضبط وجعل الحافظ والمتصرف مدركا باعتبار الإعانة على الإدراك إما الحس المشترك ويسمى باليونانية بنطاسيا أي لوح النفس فهي القوة التي تجتمع فيها صور المحسوسات الظاهرة بالتأدي إليها من طرق الحواس ويدل على وجودها وجوه الأول أنا نحكم ببعض المحسوسات الظاهرة على البعض كما نحكم بأن هذا الأصفر هو هذا الحار أو هذا الحلو أو هذا المشموم وكل من الحواس الظاهرة لا يحضر عندها إلا نوع مدركاته فلا بد من قوة يحضر عندها جميع الأنواع ليصح الحكم بينها الثاني أن النائم أو المريض كالمبرسم يشاهد صورا جزئية لا تحقق لها في الخارج ولا في شيء من الحواس الظاهرة فلا بد من قوة بها المشاهدة الثالث أنا نشاهد القطرة العازلة بسرعة خطا مستقيما والشعلة الجوالة بسرعة خطا مستديرا أو ما ذاك إلا لأن لنا قوة غير البصر يرتسم فيها صورة القطرة والشعلة ويبقى قليلا على وجه يتصل به الارتسامات البصرية المتتالية بعضها ببعض بحيث يشاهد خطا للقطع بأنه لا ارتسام في البصر عند زوال المقابلة ومنع ذلك على ما ذكره الإمام مكابرة وإلى هذا أشار في المتن ما ذكر من ضرورة أنه لا يرتسم في البصر إلا المقابل أو ما هو في حكمه وأما قوله ومبناه على أن صور المحسوسات لا ترتسم في النفس فإشارة إلى جواب اعتراض آخر وهو أنه لا يلزم من عدم كون الارتسام في الباصرة كونه في قوة أخرى جسمانية لجواز أن يكون في النفس وكذا الصور التي يشاهدها المريض والنائم وصور المحسوسات المحكوم فيها بالبعض على البعض كهذه الصفرة والحرارة وغيرها ألا ترى أنا نحكم بالكلي على الجزئي كحكمنا بأن هذه الصفرة لون وزيد إنسان مع القطع بأن مدرك الكلي هو النفس فإذا كان الحكم بين الشيئين مستلزما لحضورهما عند الحاكم كان الجزئي حاضرا عند النفس مرتسما فيها كالكلي فلا يثبت الحس
(٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 ... » »»