شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١٩
رؤية الشيء بانطباع شبحه كان المرئي هو الذي انطبع شبحه لا نفس الشبح كما مر في العلم وبأن شبح الشيء لا يلزم أن يساويه في المقدار كما يشاهد من صورة الوجه في المرآة الصغيرة إذ المراد به ما يناسب الشيء في الشكل واللون دون المقدار غاية الأمر أنا لا نعرف لمبة إبصار الشيء العظيم وإدرك البعد بينه وبين المرئي بمجرد انطباع صورة صغيرة منه في الجليدية ومادتها بواسطة الروح المصبوب في العصبتين إلى الباصرة وقيل أن الإبصار بخروج شعاع من العين على هيئة مخروطه رأسه عند العين وقاعدته عند المرئي ثم اختلفوا في أن ذلك المخروط مصمت أو مؤتلف من خطوط مجتمعة في الجانب الذي يلي الرأس متفرقة في الجانب الذي يلي القاعدة وقيل لا على هيئة المخروط بل على استواء لكن يثبت طرفه الذي يلي العين ويضطرب طرفه الآخر على المرئي وقيل الشعاع الذي في العين يكيف الهواء يكيفيته ويصير الكل آلة في الإبصار وقيل لا شعاع ولا انطباع وإنما الإبصار بمقابلة المستنير للعضو الباصر الذي فيه رطوبة صقيلة فإذا وجدت هذه الشروط مع زوال الموانع يقع للنفس علم إشراقي حضوري على المبصر فتدركه النفس مشاهدة ظاهرة جلية والحق أن الإبصار بمحض خلق الله تعالى عند فتح العين قال والمشهور من آراء الفلاسفة الانطباع والشعاع أي القول بانطباع شبح المرئي في الرطوبة الجليدية والقول بخروج الشعاع من العين على هيئة المخروط تمسك الأولون بوجوه أحدها وهو العمدة أن العين جسم صقيل نوراني وكل جسم كذلك إذا قابله كثيف ملون انطبع فيه شبحه كالمرآة أما الكبرى فظاهرة وأما الصغرى فلما يشاهد من النور في الظلمة إذا حك المنتبه من النوم عينه وكذا عند إمرار اليد على ظهر الهرة السوداء ولأن الإنسان إذا نظر نحو أنفه قد يرى عليه دائرة من الضياء وإذا انتبه من النوم قد يبصر ما قرب منه زمانا ثم يفقده وذلك لامتلاء العين من النور في ذلك الوقت وإذا غمض إحدى العينين يتسع ثقبة العين الأخرى وما ذاك إلا لأن جوهرا نورانيا يملؤه ولأنه لولا انصباب الأرواح النورانية من الدماغ إلى العين لما جعلت ثقبتا الإبصار مجوفتين وهذا بعد تمامه إنما يفيد انطباع الشبح لا كون الإبصار به وثانيها أن سائر الحواس إنما تدرك بأن يأتي صورة المحسوس إليها لا بأن يخرج منها شيء إلى المحسوس فكذا الإبصار ورد بأنه تمثيل بلا جامع وثالثها أن من نظر إلى الشمس طويلا ثم أعرض عنها تبقى صورتها في عينه زمانا ورد بأن الصورة في خياله لا عينه كما إذا غمض العين ورابعها أن الشيء بعينه إذا قرب من الرائي يرى أكبر مما إذا بعد عنه وذاك إلا لأن الانطباع على مخروط من الهواء المشف رأسه متصل بالحدقة وقاعدته سطح المرئي حتى أنه وتر لزاوية المخروط ومعلوم أن وترا بعينه كلما
(١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 ... » »»