شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٨
على الشيء قادر على مثله والجزء الزائد مشابه للأصل فإذا قويت الغاذية على تحصيل الأصل قويت على تحصيل الزايد وتكون هي النامية إلا أنها في الابتداء تكون قوية على إيراد بدل الأصل والزايد معا لشدة القوة على الفعل وكثرة المادة أعني الرطوبة وقلة الحاجة بواسطة صغر العضو وبعد ذلك يعود الأمر إلى النقصان لضعف في القوة وقلة في المادة وعظم في العضو واعترض بأن التغذية والتنمية فعلان مختلفان فلا يستندان إلى مبدأ واحد حتى أن أمر التغذية والتنمية لما كان بإيراد البدل والتشبيه والإلصاق أسندوه إلى قوي ثلاث وهذا ما قال في الشفاء إن شأن الغاذية أن تؤتى كل عضو من الغذاء بقدر عظمه وصغره وتلصق به من الغذاء بمقداره الذي له على السواء وأما النامية فتسلب جانبا من البدن من الغذاء ما يحتاج إليه الزيادة في جهة أخرى فتلصقه بتلك الجهة لتزيد تلك الجهة فوق زيادة جهة أخرى بيان ذلك ان الغاذية إذا انفردت وقوي فعلها وكان ما تورده أكثر مما يتحلل فإنها تزيد في عرض الأعضاء وعمقها زيادة ظاهرة بالتسمين ولا تزيد في الطول زيادة يعتد بها والنامية تزيد في الطول أكثر كثيرا مما تزيد في العرض (قال ولهذا لما أدى الضعف) إشارة إلى ما ذكروا في ضرورة الموت من جهة القوى الفاعلية وفسروا الموت بتعطيل القوى عن الأفعال لانطفاء الحرارة الغريزية التي هي آلتها فإن كان ذلك لانتهاء الرطوبة الغريزية إلى حد لا يفي ما يقوم بها من الحرارة الغريزية بأمر القوى وأفعالها فموت طبيعي وإلا فغير طبيعي وحاصل الكلام أن لبطلان الرطوبة الغريزية أسبابا ضرورية فيكون ضروريا فيكون انطفاء الحرارة ضروريا لبطلان مادته فيكون تعطل القوى ضروريا لبطلان آلتها وتلك الأسباب مثل انتشاق الهواء المحيط للرطوبة من الخارج ومعاونة الحرارة الغريزية من الداخل ومعاضدة الحركات البدنية والنفسانية الضرورية في ذلك مع عجز الطبيعة عن مقاومة تلك المخللات بإيراد البدل دائما لما سبق من تناهي القوى الجسمانية على أن هناك أمرا آخر يعين على إطفاء الحرارة الغريزية بطريق الغمر لغلبته في الكم وبطريق القمر لمضادته في الكيف وهو ما يستولي من الرطوبة الغريبة الباردة البلغمية بواسطة قصور الهضم هذا ولو فرضنا فعل الغاذية أعني إيراد البدل دائما غير متناه فليس التحلل دائما على حد واحد بل يزداد يوما فيوما لدوام المؤثر أعني المحللات المذكورة في متأثر واحد هو الرطوبة الغريزية فالبدل لا يقاومه فبالضرورة يتأدى الأمر إلى إفناء التحلل للرطوبة بل لو فرضنا البدل دائما على مقدار المتحلل فلا خفاء في أنه لا يقاومه لقصوره بحسب الكيفية لأن الرطوبة الغريزية تخمرت ونضجت في أوعية الغذاء ثم في أوعية المني ثم في الرحم والبدل لم يتخمر إلا في الأولى فيكون إبراده بدلا منها كإبراد الماء بدلا من الدهن في السراج قال ومنها المولدة وهي قوة شأنها تحصيل البذر وتفصيله إلى أجزاء مختلفة وهيئات مناسبة وذلك بأن تفرز جزأ من
(٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 ... » »»