شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١١
في أن الجامع لأجزاء البدن هل هو الحافظ لها أم لا وفي أنه نفس المولود أم غيرها فذكر الإمام أن الجامع لأجزاء النطفة نفس الوالدين ثم أنه يبقى ذلك المزاج في تدبير نفس الأم إلى أن يستعد لقبول نفس ثم أنها تصير بعد حدوثها حافظة له وجامعة لسائر الأجزاء بطريق إيراد الغذاء ونقل عن ابن سينا أن الجامع لأجزاء بدن الجنين نفس الوالدين والحافظة لذلك الاجتماع أو لا القوة المصورة لذلك البدن ثم نفسه الناطقة وتلك القوة ليست واحدة في جميع الأحوال بل هي قوى متعاقبة بحسب الاستعدادات المختلفة لمادة الجنين وذكر في الشفاء أن النفس التي لكل حيوان هي جامعة اسطقسات بدنه ومؤلفتها ومركبتها على نحو يصلح معه أن يكون بدنا لها وهي حافظة لهذا البدن على النظام الذي ينبغي والأشبه بمقتضى قواعدهم ما ذكر في شرح الإشارات وهو أن نفس الأبوين تجمع بالقوة الجاذبة أجزاء غذائية ثم تجعلها أخلاطا وتفرد منها بالقوة المولدة مادة المني وتجعلها مستعدة لقبول قوة من شأنها إعداد المادة لصيرورتها إنسانا فتصير بتلك القوة منيا وتلك القوة تكون صورة حافظة لمزاج المني كالصورة المعدنية ثم إن المني يتزايد كما لاقى الرحم بحسب استعدادات يكتسبها هناك إلى أن يصير مستعد القبول نفس أكمل يصدر عنها مع حفظ المادة الأفعال النباتية فيحدث الغذاء ويضيفها إلى تلك المادة فيتمها وتتكامل المادة بتربيتها إياها فتصير تلك الصورة مصدرا مع ما كان يصدر عنها بهذه الأفاعيل وهكذا إلى أن تصير مستعدة لقبول نفس أكمل يصدر عنها مع جميع ما تقدم الأفعال الحيوانية أيضا فيصدر عنها تلك الأفعال أيضا فيتم البدن ويتكامل إلى أن يصير مستعد القبول نفس ناطقة يصدر عنها مع جميع ما تقدم النطق وتبقى مدبرة في البدن إلى أن يحل الأجل وقد شبهوا تلك القوى في أحوالها من مبدأ حدوثها إلى استكمالها نفسا مجردة بحرارة تحدث في فحم من نار مشتعلة مجاورة ثم تشتد فإن الفحم بتلك الحرارة يستعد لأن يتجمر وبالتجمر يستعد لأن يشتعل نارا شبيهة بالنار المجاورة فمبدأ الحرارة الحادثة في الفحم كتلك الصورة الحافظة واشتدادها كمبدأ الأفعال النباتية وتجمرها كمبدأ الأفعال الحيوانية واشتعالها نارا كالناطقة وظاهر أن كل ما يتأخر يصدر عنه مثل ما صدر عن المتقدم وزيادة فجميع هذه القوى كشيء واحد متوجه من حد ما من النقصان إلى حد ما من الكمال واسم النفس واقع منها على الثلاث الأخيرة فهي على اختلاف مراتبها نفس البدن المولود وتبين من ذلك أن الجامع للأجزاء الغذائية الواقعة في المنيين هو نفس الأبوين وهو غير حافظها والجامع للأجزاء المضافة إليها إلى أن يتم البدن وإلى آخر العمر والحافظ للمزاج هو نفس المولود قال ثم لهم تردد يعني لما كان كلامهم في باب القوى مبنيا على الحدس والتخمين دون القطع واليقين وقع مترددا في عدة مواضع منها أن الغاذية والنامية والمولدة قوى متعددة بحسب الذات أم بمجرد الاعتبار
(١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 ... » »»