شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١٢
ويكون اختلاف الأفعال والآثار راجعا إلى اختلاف الآلات والاستعدادات مثلا تفعل الغاذية النمو فيما إذا كان الوارد زائدا على المتحلل والتوليد فيما إذا صار صالحا لأن يصير منيا وحاصلا في الأنثيين ويعرض لأفعالها قوة أو ضعف في بعض الأحوال لأسباب عائدة إلى المواد والآلات وزيادة الحرارة الغريزية ونقصانها وكذا تفاوت في الحدوث بأن يحدث التوليد بعد التغذية والتنمية ويبقى اليد دون التنمية وتبقى التغذية دون التنمية والتوليد وما تقرر عندهم من أن أثر الواحد لا يكون إلا واحدا فإنما هو في الواحد بجميع الجهات ومنها أن النفس النباتية اسم لهذه القوى في النبات وكذا الحيوانية في الحيوان أم هي صورة جوهرية مبدأ لهذه القوى في النبات وللحس والحركة أيضا في الحيوان ولإدراك المعقولات أيضا في الإنسان ومنها أن الغاذية هل هي مغايرة بالذات للجاذبة والماسكة والهاضمة والدافعة أم لا بل هي عبارة عنها كما يشعر به كلام جالينوس وغيره وأيضا ذهب بعضهم إلى أن الأربعة واحدة بالذات متغايرة بالاعتبار بمعنى أن هناك قوة واحدة فعلها جذب عند الإدرار إمساك بعد الإدرار هضم بعد الإمساك دفع بعد الانهضام ومنها أن الغاذية على تقدير مغايرتها للبواقي هل هي قوة واحدة فعلها التحصيل والتشبيه والإلصاق أم قوى ثلاث متغايرة بالذات مبادي للأفعال الثلاثة وميل ابن سينا إلى الثاني وهو الظاهر من قواعدهم ثم أنها نفس القوى الثلاث لا قوة أخرى تستخدمها لأنه ليس هناك فعل آخر غير إيراد البدل والتشبيه والإلصاق ومنها أنه كيف تصدر هذه الأفعال المتقنة المحكمة على النظام المخصوص عن القوى التي هي أعراض قائمة بالأعضاء لا يتصور لها قدرة وإرادة أو علم خصوصا إذا تؤمل في الصور العجيبة والأشكال الغريبة والنقوش المؤتلفة والألوان المختلفة الموجودة في أنواع النبات والحيوان فإن العقل لا يكاد يذعن لصدورها عن القوة التي سموها مصورة وإن فرضنا كونها مركبة وكون المواد مختلفة كيف وقد ورد الكتاب الإلهي في عدة مواضع باستناد جميع ذلك إلى الله سبحانه وتعالى وأشار إلى دلالتها على كونه قادرا حكيما وصانعا قديما والفلاسفة أيضا لما رجعوا إلى الفطرة السليمة صرحوا بأن هذه القوى إنما تفعل ذلك بإذن خالقها القدير وموجدها الحكيم الخبير ومنهم من قال نحن نعلم قطعا أن ما في التغذية والتنمية والتوليد من الحركات إلى الجهات المختلفة ومن الإلصاقات ومن التشكيلات لا يصح بدون الإدراك وأن هذا الإدراك ليس للنفس الإنسانية فإن هذه الأفعال دائمة في البدن والنفس غافلة عنها وتحدس حدسا موجبا لليقين أن الحيوانات العجم أيضا لا تدرك أفعال هذه القوى في أبدانها فإذن هو إدراك موجود آخر له اعتبار بهذه الأنواع (قال خاتمة) لا خلاف في أن النبات ليس بحيوان لأن المراد به ما علم فيه تحقق الحس والحركة وإنما الخلاف في حياته فقيل هو حي لأن الحياة صفة هي مبدأ التغذية
(١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 ... » »»