شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٢٣
المشترك وتقرير الجواب أنا معترفون بأن مدرك الكليات والجزئيات جميعا والحاكم بينها هو النفس لكن الصور الجزئية لا ترتسم فيها لما سيجيء بل في آلتها فلا بد في الحكم بين محسوسين من آلة مشتركة وفيه نظر لجواز أن يكون حضورهما عند النفس وحكمها بينها لارتسامهما في البين كما أن الحكم في الكلي والجزئي يكون لارتسام الكلي في النفس والجزئي في الآلة فلا تثبت آلة مشتركة غاية الأمر أنه لا يكفي الحواس الظاهرة ليصح الحكم حالتي الغيبة والحضور بل يكون لكل حس ظاهر حس باطن ومن اعتراضات الإمام أنا نعلم قطعا أن الذوق أعني إدراك المذوقات ليس بالدماغ كما أنه ليس بالعصب وكذا اللمس والجواب أن المعلوم قطعا هو أن الدماغ ليس آلة للذوق أو للمس أو لا على وجه الاختصاص وأما أنه لا مدخل له فيه فلا كيف والآفة في الدماغ توجب اختلال الذوق واللمس بخلاف الآفة في العصب ومن ههنا يقال أن ابتداء الذوق في اللسان وتمامه في العصب الآتي إليه من الدماغ وكما له عند الحس المشترك وكذا في سائر الإحساسات قال ومنها الخيال استدل على ثبوتها ومغايرتها للحس المشترك بوجهين الأول أن لصور المحسوسات قبولا عندنا وحفظا وهما فعلان مختلفان فلا بد لهما من مبدأين متغايرين لما تقرر من أن الواحد لا يكون مصدرا لأثرين ومبدأ القبول هو الحس المشترك فمبدأ الحفظ هو الخيال وإنما احتيج إلى الحفظ لئلا يختل نظام العالم فإنا إذا أبصرنا الشيء ثانيا فلو لم نعرف أنه هو المبصر أو لا لما حصل التمييز بين النافع والضار واعترض بأن الحفظ مسبوق بالقبول ومشروط به ضرورة فقد اجتمعا في قوة واحدة سميتموها الخيال وبأن الحس المشترك مبدأ لإدراكات مختلفة هي أنواع الإحساسات وبأن النفس تقبل الصور العقلية وتتصرف في البدن فبطل قولكم الواحد لا يكون مبدأ الأثرين وأجيب بأن الخيال لا بد أن يكون في محل جسماني فيجوز أن يكون قبوله لأجل المادة وحفظه لقوة الخيال كالأرض تقبل الشكل بمادتها وتحفظه بصورتها وكيفيتها أعني اليبوسة وبأن مبدائية الحس المشترك للإدراكات المختلفة إنما هي لاختلاف الجهات أعني طرق التأدية من الحواس الظاهرة وكذا إدراكات النفس وتصرفاتها من جهة قواها المختلفة ولا يخفى أن هذا الجواب يدفع أصل الاستدلال لجواز أن لا تكون إلا قوة واحدة لها القبول والحفظ بحسب اختلاف الجهات وكذا الجواب بأن القبول والإدراك من قبيل الانفعال دون الفعل فاجتماع القبول والحفظ وأنواع الإدراكات في شيء واحد لا يقدح في قولنا الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد الثاني أن الصور الحاضرة في الحس المشترك قد تزول بالكلية بحيث يحتاج إلى إحساس جديد وهو ا لنسيان وقد تزول لا بالكلية بل بحيث تحضر بأدنى التفات وهو الذهول فلولا أنها مخزونة حينئذ
(٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 ... » »»