شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٢٥
بعد الذهول عنه ومتذكرة إذ بها التذكر أعني الاحتيال لاستعراض الصور بعد ما اندرست قال ومنها المتصرفة أي في الصور المأخوذة عن الحس والمعاني المدركة بالوهم بتركيب بعضها مع بعض وتفصيل بعضها عن بعض كتصور إنسان له رأسان أو لا رأس له وتصور العدو صديقا وبالعكس وهي دائما لا تسكن نوما ولا يقظة وبها يقتنص الحد الأوسط باستعراض ما في الحافظة وهي المحاكية للمدركات والهيئات المزاجية وينتقل إلى الضد والشبيه وليس من شأنها أن يكون عملها منتظما بل النفس هي التي تستعملها على أي نظام تريد إما بواسطة القوة الوهمية من غير تصرف عقلي وحينئذ تسمى متخيلة أو بواسطة القوة العقلية وحدها أو مع الوهمية وحينئذ تسمى مفكرة قال خاتمة مما علم بالتشريح أن للدماغ تجاويف ثلاثة أعظمها البطن الأول وأصغرها البطن الأوسط وهو كمنفذ من البطن المقدم إلى البطن المؤخر وقد دل اختلال الحس المشترك بآفة تعرض لمقدم البطن الأول من الدماغ دون غيره من أجزاء الدماغ على أنه محله وهكذا الدليل على كون الخيال في مؤخر البطن الأول وكون المتخيلة في البطن الأوسط وكون الوهم مقدم البطن الأخير وكون الحافظة في آخره وأما الدليل على تعدد هذه القوى فهو اختلاف الآثار مع ما تقرر عندهم من أن الواحد لا يكون مبدأ للكثير فإن قيل القاعدة على تقدير ثبوتها إنما هي في الواحد من جميع الوجوه فلم لا يجوز أن يكون مدرك الكل هو النفس الناطقة أو قوة واحدة باعتبار شرائط وآلات مختلفة قلنا كون المدرك هي النفس والقوى الجسمانية آلات لها مذهب جمع من المحققين إلا أنه يشكل بوجود الإدراكات للحيوانات العجم وأما كون المدرك قوة واحدة جسمانية وهذه المحال آلات لها فمما لا سبيل إليه إذ لا يعقل آلية العضو لقوة جسمانية لا تكون حالة فيه ولا يخفى صعوبة إثبات بعض المقدمات الموردة في المقامين أعني إثبات تعدد القوى وتعيين محالها وقد يقال في تعيين محالها بطريق الحكمة والغاية أن الحس المشترك ينبغي أن يكون في مقدم الدماغ ليكون قريبا من الحواس الظاهرة فيكون التأدي إليه سهلا والخيال خلفه لأن خزانة الشيء ينبغي أن تكون كذلك ثم ينبغي أن يكون الوهم بقرب الخيال لتكون الصور الجزئية بحذاء معانيها الجزئية والحافظة بعده لأنها خزانته والمتخيلة في الوسط لتكون قريبة من الصور والمعاني فيمكنها الأخذ منهما بسهولة (قال وتردد ابن سينا) يشير إلى ما قال في الشفاء يشبه أن تكون القوة الوهمية هي نفسها للتذكرة والمتخيلة والمفكرة وهي نفسها الحاكمة فتكون بذاتها حاكمة وبحركاتها وأفعالها متخيلة ومتذكرة فتكون متفكرة بما يعمل في الصور والمعاني ومتذكرة بما ينتهي إليه عملها وله تردد أيضا في أن الحافظة مع المتذكرة أعني المسترجعة لما غاب عن الحفظ من مخزونات الوهم قوتان أم قوة واحدة قال واقتصر الأطباء لما كان نظرهم مقصورا على
(٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 ... » »»