شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٢٠
قرب من الزاوية كان الساق أقصر والزاوية أعظم وكلما بعد فبالعكس والشبح الذي في الزاوية الكبرى أعظم من الذي في الصغرى وهذا إنما يستقيم إذا جعلنا موضع الإبصار هو الزاوية على ما هو رأي الانطباع لا القاعدة على ما هو رأي خروج الشعاع فإنها لا تتفاوت ورد بأنا لا نسلم أنه لا سبب سوى ذلك كيف وأصحاب الشعاع أيضا يثبتون سببه على أن استلزام عظم زاوية الرؤية عظم المرئي وصغرها صغره محل نظر وإلى ما ذكرنا من وجوه الرد أشار بقوله وهو ضعيف تمسك القائلون بالشعاع أيضا بوجوه أحدها أن من قل شعاع بصره كان إدراكه للقريب أصح من إدراكه للبعيد لتفرق الشعاع في البعيد ومن كثر شعاع بصره مع غلظه كان إدراكه للبعيد أصح لأن الحركة في المسافة الطويلة تفيده رقة وصفاء ولو كان الإبصار بالانطباع لما تفاوت الحال وثانيها أن الأجهر يبصر بالليل دون النهار لأن شعاع بصره لقلته يتحلل نهارا بشعاع الشمس فلا يبصر ويجتمع ليلا فيقوى على الإبصار والأعشى بالعكس لأن شعاع بصره لغلظه لا يقوى على الإبصار إلا إذا أفادته الشمس رقة وصفاء وثالثها أن الإنسان إذا نظر إلى ورقة قرأها كلها لم يظهر له منها إلا السطر الذي يحدق نحوه البصر وما ذاك إلا بسبب أن مسقط سهم مخروط الشعاع أصح إدراكا من جوانبه ورابعها أن الإنسان يرى في الظلمة كأن نورا انفصل من عينه وأشرق على أنفه وإذا غمض عينيه على السراج يرى كأن خطوطا شعاعية اتصلت بين عينيه والسراج والجواب عن الكل أنها لا تدل على المطلوب أعني كون الإبصار بخروج الشعاع بل على أن في العين نورا ونحن لا ننكر أن في آلات الإبصار أجساما شعاعية مضيئة تسمى بالروح الباصرة يرتسم منها بين العين والمرئي مخروط وهمي يدرك المرئي من جهة زاويته التي عند الجليدية تشتد حركتها عند رؤية البعيد فيتحلل لطيفها ويفتقر إلى تلطيف إذا غلظ وتكثيف إذا ضعف ورق فوق ما ينبغي ويحدث منها في المقابل القابل أشعة وأضواء تكون قوتها فيما يحاذي مركز العين الذي هو بمنزلة الزاوية للمخروط الوهمي ولشدة استنارته تكون الصورة المنطبعة فيه أظهر وإدراكه أقوى وأكمل ويشبه أن يكون هذا مراد القائلين بخروج الشعاع تجوزا منهم على ما صرح به ابن سينا وإلا فهو باطل قطعا أما إذا أريد حقيقة الشعاع الذي هو من قبيل الأعراض فظاهر وإن أريد جسم شعاعي يتحرك من العين إلى المرئي فلأنا قاطعون بأنه يمتنع أن يخرج من العين جسم ينبسط في لحظة على نصف كرة العالم ثم إذا أطبق الجفن عاد إليها أو انعدم ثم إذا فتحه خرج مثله وهكذا وأن يتحرك الجسم الشعاعي من غير قاسر ولا إرادة إلى جميع الجهات وأن ينفذ في الأفلاك ويخرقها ليرى الكواكب وأن لا يتشوش بهبوب الرياح ولا يتصل بغير المقابل كما في الأصوات حيث تميلها الرياح إلى الجهات ولأنه يلزم أن يرى القمر قبل الثوابت بزمان يناسب تفاوت
(٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 ... » »»