شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١٥
غاذية يجوز أن تفقد سائر القوى دونها كذلك حال اللامسة للحيوان لأن مزاجه من الكيفيات الملموسة وفساده باختلافها والحس طليعة للنفس فيجب أن تكون الطليعة الأولى هو ما يدل على ما يقع به الفساد ويحفظ به الصلاح وأن يكون قبل الطلائع التي تدل على أمور تتعلق ببعضها منفعة خارجة عن القوام أو مضرة خارجة عن الفساد والذوق وإن كان دالا على الشيء الذي به تستبقى الحياة من المطعومات فقد يجوز أن يبقى الحيوان بدونه بإرشاد الحواس الآخر على الغذاء الموافق واجتناب المضاد وليس شيء منها يعين على أن الهواء المحيط بالبدن محرق أو مجمد وبالجملة فالجوع شهوة الحار اليابس والعطش شهوة البارد الرطب والغذاء ما يتكيف بهذه الكيفيات اللمسية وأما الطعوم فتطييبات فلذلك كثيرا ما يبطل حس الذوق أو غيره ويبقى الحيوان حيوانا بخلاف اللمس ولشدة الاحتياج إليه كان بمعونة الأعصاب ساريا في جميع الأعضاء إلا ما يكون عدم الحس أنفع له كالكبد والطحال والكلية لئلا يتأذى بما يلاقيها من الحاد اللذاع فإن الكبد مولد للصفراء والسوداء والطحال والكلية معينان لما فيه لذع وكالرئة فإنها دائمة الحركة فتتألم باصطكاك بعضها ببعض ومولد للأبخرة الحادة ومصيب ومصعد للمواد فيتأذى بذلك وكالعظام فإنها أساس البدن ودعامة الحركات بمعنى أنها تجعل الحركات أشد بجعل أعضائها أقوى فلو أحست لتألمت بالضغط والمزاجة وبما يرد عليه من المصاكات قال وأثبتها أي القوة اللامسة بعضهم للفلكيات زعما منهم أنها من توابع الحياة وللأملاك حياة لكون حركاتها نفسانية فيكون لها شعور ولمس بالضرورة والقول بأنها إنما تكون بجذب الملائم ودفع المنافي فيكون وجودها في الفلك الممتنع عليه الكون والفساد معطلا مردود بأن ذلك إنما هو في الأرضيات وأما في الفلكيات فيجوز أن توجد لغرض آخر كتلذذها بالملامسة والاصطكاك والجواب منع كونها من لوازم الحياة على الإطلاق وأما ما ذهب إليه البعض من وجود الملامسة للعنصريات بناء على أن الأرض تهرب من العلو إلى السفل على نهج واحد والنار بالعكس وذلك يدل على شعورهما بالملائم وغير الملائم ففي غاية الضعف قال ومال ابن سينا إلى تعددها الجمهور على أن اللامسة قوة واحدة بها تدرك جميع الملموسات كسائر الحواس فإن اختلاف المدركات لا يوجب اختلاف الإدراكات ليستدل بذلك على تعدد مباديها وذكر ابن سينا في القانون أن أكثر المحصلين على أن اللمس قوى كثيرة بل قوى أربع وقال في الشفاء يشبه أن تكون اللامسة عند قوم لا نوعا أخيرا بل جنسا لقوى أربع أو فوقها منبثا معافى الجلد كله إحداها حاكمة في التضاد الذي بين الحار والبارد والثانية في التضاد الذي بين الرطب واليابس والثالثة في الذي بين الصلب واللين والرابعة في الذي بين الخشن والأملس إلا أن اجتماعها في آلة واحدة يوهم تا حدها في الذات وقال أيضا يشبه أن تكون قوى
(١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 ... » »»