شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٤
لما يخالط ذلك من غير الملائم وكذا الكبد والعروق قال ولاحصر لمراتب الهضم يعني أن الغذاء من ابتداء المضغ إلى حين تصير جزأ من العضو يعرض له في كل آن تغير واستحالة من غير أن يكون ذلك محصورا في عدد إلا أنهم نظروا إلى أعضاء الغذاء والعضو المغتذي وإلى ظهور التغيرات في الغاية فقالوا هضم الغذاء إما أن لا يلزمه خلع صورته وذلك هو الذي به يتغير إلى أن يصير كيلوسا وهو هضم المعدة وابتداؤه من الفم أو يلزمه خلع صورته فأما أن يلزم من كمال ذلك النضج حصول الصورة العضوية وهو الهضم الرابع ويكون في كل عضو أو لا يلزمه حصول الصورة العضوية فإما أن يلزمه حصول التشبه بها في المزاج وذلك هو الذي به يصير رطوبة ثانية وهو أن يكون في العروق أو لا يلزمه ذلك وهو الذي به تصير خلطا ويكون هذا في الكبد ويستدل على كون ابتداء الهضم المغذي في الفم بأن الحنطة الممضوغة تفعل في إنضاج الدماميل مالا تفعل المدقوقة المبلولة بالماء أو المطبوخة فيه وبأن ما يبقى من الطعام بين الأسنان يتغير وتنتن رائحته ويصير له كيفية مثل كيفية لحم الفم والسبب في ذلك أن سطح الفم متصل بسطح المعدة بل كأنهما سطح واحد بشهادة التشريح ولذلك يجعل ما في الفم والمعدة هضما واحدا لا كما سبق إلى بعض الأوهام من أن أول الهضوم في الفم والثاني في المعدة والثالث في الكبد والرابع في العروق حطا لما هو العمدة والغاية في الهضم أعني التغيير إلى جوهر العضو عن درجة الاعتبار وأما جعل الهضم الكبدي واحدا مع أن ابتداءه في الماساريقا أعني العروق الدقيقة الصلبة الواصلة بين الكبد وبين أواخر المعدة وجميع الأمعاء وليس لها اتحاد بالكبد فلأنه لا يظهر فيها للطيف الكيلوس المنجذب إليها تغيير يعتد به وحالة متميزة عن الكيلوسية التي حصلت في المعدة والخلطية التي تحصل في الكبد ثم لكل من هذه الهضوم فضل تندفع ضرورة أن الهاضمة لا يمكنها إحالة جميع ما يرد إليها من الغذاء إما لكثرته وإما لأن من أجزائه مالا يصلح أن يصير جزأ من المغتذي فالهضم الأول له فضل كثير لأنه يفعل في الغذاء وهو باق على طبيعته وأجزائه الصالحة وغير الصالحة وعلى كثرته الواردة على المعدة باختيار من الحيوان سيما الإنسان المفتقر باعتدال مزاجه إلى تنويع الأغذية وتكثيرها بالتركيب وغيره لا بمجرد انجذاب طبيعي للنافع وحده كما في باقي الهضوم وكما في غذاء النبات فلذا احتاج إلى منفذ يسع كثرة الفضلات وهو المخرج والهضم الثاني تكون فضلاته قليلة لطيفة لأن الغذاء يرد إليه بجذب طبيعي ومن منافذ ضيقة جدا فيخرج أكثرها بالبول والباقي من طريق الطحال والمرارة وأما الهضم الثالث والرابع فاندفاع فضولهما إما إن يكون خروجا طبيعيا أو لا والثاني إما أن يكون باقيا على خلطيته من غير تصرف للهضم الثالث كدم البواسير والدم الفاسد الخارج بالرعاف وغيره وإما أن يكون قد استحال استحالة غير تامة كالصديد
(٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»