شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ١٧
الحاس للمحسوس بلا واسطة وعلى الثاني يكون المحسوس بالحقيقة هو الرطوبة ويكون بلا واسطة قال وما في اللسان يعني أن المطعومات كما تفيد ذوقا فقد يفيد بعضها لمسا إما مع تميزه في الحس كما في الحلو الحار وإما بدونه وحينئذ يتركب من الكيفية الطعمية ومن التأثير اللمسي شيء واحد يصير كطعم محض مثل الحرافة فإنها طعم مع تفريق وإسخان وكالحموضة فإنها طعم مع تفريق بلا إسخان وكالعفوصة فإنها طعم مع تجفيف أو تكثيف قال ومنها الشم الجمهور على أن إدراك الروائح بوصول الهواء المتكيف بكيفية ذي الرائحة إلى آلة الشم وقيل بتبخر وانفصال أجزاء من ذي الرائحة تخالطه الأجزاء الهوائية فتصل إلى الشامة وقيل بفعل ذي الرائحة في الشامة من غير استحالة في الهواء ولا تبخر وانفصال أجزاء ورد الثاني بأن القليل من المسك يشم على طول الأزمنة وكثرة الأمكنة من غير نقصان في وزنه وحجمه فلو كان الشم بالتبخر وانفصال الأجزاء لما أمكن ذلك والثالث بأن المسك قد يذهب به إلى مسافة بعيدة جدا أو يحرق ويفنى بالكلية مع أن رائحته تدرك في الهواء الأول أزمنة متطاولة تمسك الفريق الثاني بأن الشم لو لم يكن بالتبخر وتحلل الأجزاء اللطيفة وانفصالها من ذي الرائحة لما كانت الحرارة وما يهيجها من الدلك والتبخر تذكي الروائح ولما كان البرد الشديد يخفيها ولما ذبلت التفاحة بكثرة التشمم واللازم باطل بحكم المشاهدة والجواب منع الملازمة لجواز أن يكون ذلك من جهة أن التبخر وتحلل الأجزاء يعين على تكيف الهواء بكيفية ذي الرائحة وكثرة اللمس والتشمم على ذبول التفاحة وتحلل رطوباتها وتمسك الآخرون بأن النار مع شدة إحالتها لما يجاورها لا تسخن لا مسافة قريبة منها فكيف يحيل الجسم ذو الرائحة الهواء على مسافة بعيدة ربما تبلغ مسيرة أيام على ما حكى أرسطو أنه وقع ملحمة ببلاد يونان التي لا رخم فيها فسافرت الرخم إليها لروائح الجيف من مسيرة أيام والجواب أنه استبعاد ولا دليل على الامتناع سلمنا لكن وصول الهواء المتكيف إلى المسافات البعيدة على ما حكي يجوز أن يكون بهبوب رياح قوية (وقال ومن الفلاسفة) نقل عن أفلاطون وفيثاغورس وهرمس وغيرهم أن الأفلاك والكواكب لها شم وفيها روائح ورد عليهم المشاؤون بأنه لا هواء هنالك يتكيف ولا بخار يتحلل وأجيب بأن اشتراط ذلك إنما هو في العنصريات ومن كلمات بعض المتأخرين أنا عند اتصالنا بالفلكيات في نوم أو يقظة نشم منها روائح أطيب من المسك والعنبر بل لا نسبة لما عندنا إلى ما هناك ولهذا اتفق أرباب العلوم الروحانية على أن لكل كوكب بخورا مخصوصا ولكل روحاني رائحة معروفة يستنشقونها ويتلذذون بها وبروائح الأطعمة المصنوعة لهم فيفيضون على من يرتب ذلك ما هو مستعد له قال ومنها السمع قد سبق في بحث الصوت ما يغني عن شرح هذا الموضع والمراد بالهواء المتوسط هو المتموج الحامل للصوت سواء كان معلولا للقرع أو للقلع
(١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 ... » »»