شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٢٧
الجسم فكمال ثان والمراد بالجسم ههنا الجنس أعني المأخوذ لا بشرط أن يكون وحده أو لا وحده بل مع تجويز أن يقارنه غيره وأن لا يقارنه لأنها الطبيعة الجنسية الناقصة التي إنما تتم وتكمل نوعا بانضمام الفصل إليه لا المأخوذ بشرط أن يكون وحده لأنها مادة متقدمة بالوجود على النوع غير محمولة عليه والنفس بالنسبة إليه صورة لا كمال يجعله نوعا بالفعل وقد سبق تحقيق ذلك في بحث الماهية وإنما أخذ الجسم في تعريف النفس لأنه اسم لمفهوم إضافي هو مبدأ صدور أفاعيل الحياة عن الجسم من غير نظر إلى كونه جوهرا أو عرضا مجردا أو ماديا فلا بد من أخذه في تعريف النفس لا من حيث ذاتها بل من حيث لها تلك العلاقة لها كالبناء في تعريف الباني والمراد بالطبيعي ما يقابل الصناعي وبالآلي ما يكون له قوى وآلات مثل الغاذية والنامية ونحو ذلك فخرج بالقيود السابقة الكمالات الثانية وكمالات المجردات والأعراض وهيئات المركبات الصناعية وبالآلي صور البسائط والمعدنيات إذ ليس فعلها بالآلات لا يقال قيد ذي حياة بالقوة مغن عن ذلك لأنا نقول ليس معناه أن يكون ذلك الجسم حيا ولا ان يصدر عنه جميع أفعال الحياة وإلا لم يصدق التعريف إلا على النفس الإنسانية دون النباتية والحيوانية بل أن يكون بحيث يمكن أن يصدر عنه بعض أفعال الأحياء وإن لم يتوقف على الحياة ولا خفاء في أن البسائط والمعدنيات كذلك وفائدة هذا القيد الاحتراز عن النفس السماوية عند من يرى أن النفس إنما هي للفلك الكلي وأن ما فيه من الكواكب والأفلاك الجزئية بمنزلة آلات له فتكون جسما آليا إلا أن ما يصدر عنه من التعقلات والحركات الإرادية التي هي من أفاعيل الحياة تكون دائما وبالعقل لا كأفاعيل النبات والحيوان من التغذية والتنمية وتوليد المثل والإدراك والحركة الإرادية والنطق أعني تعقل الكليات فإنها ليست دائمة بل قد تكون بالقوة وإما عند من يرى أن لكل كرة نفسا وأنها ليست من الأجسام الآلية فلا حاجة إلى هذا القيد ولهذا لم يذكره الأكثرون وذهب أبو البركات إلى أنه إنما يذكر عوض قولهم آلي فيقال كمال أول طبيعي لجسم ذي حياة بالقوة وعبارة القدماء كمال أول طبيعي لجسم آلي واحترزوا بطبيعي عن الكمالات الصناعية كالتشكيلات الحاصلة بفعل الإنسان ثم قال وقد يقال كمال أول لجسم طبيعي آلي بتأخير طبيعي وهو إما غلط في النقل وإما مقصود به المعنى الذي ذكرنا فظهر أن ما يقال من أن بعضهم رفع طبيعي بصفة الكمال ليس معناه أنه يرفع مع التأخير صفة الكمال ويخفض بعده آلي صفة لجسم فإنه في غاية القبح وكذا لو رفع آلي أيضا صفة لكمال مع ذكر ذي حياة صفة لجسم بل معناه أنه يقدم فيرفع على ما قال الإمام أن بعضهم جعل الطبيعي صفة للكمال فقال كمال أول طبيعي لجسم آلي فإن قيل فعلى ما ذكر من أن قيد ذي حياة بالقوة لإخراج النفس السماوية يكون قولنا كمال أول لجسم طبيعي آلي معنى شاملا للأرضية والسماوية صالحا لتعريفهما به وقد
(٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 ... » »»