سياسة الأنبياء - السيد نذير يحيى الحسيني - الصفحة ٦٥
إبراهيم (عليه السلام) يدعو أباه آزر مشكلة جديدة أمام نبي الله إبراهيم (عليه السلام) وهي (أباه) وإن لم يكن أباه الصلبي كما سيأتي ولكن كان قريبا إليه، فلا بد للإنسان عندما يريد أن يغير لا بد له أولا أن يغير ما حوله قبل أن يغير المجتمع وهذه ليست لأبدية حتمية ولكن من الأفضل أن ينطلق الإنسان في أول انطلاقته إلى أقرباءه وأصدقاءه الذين يحيطون به حتى لا تبقي أي نقطة سلبية يستفيد منها الأعداء ليهرجوا بها حتى يضلوا السذجة من الناس الذين يفكرون بعقول غيرهم لا بعقولهم، فهؤلاء كثيرون يحكمهم العقل الجمعي الذي يتحكم بالشعوب عادة فضلا عن السذج، فهذه نقطة مهمة لمن أراد الإصلاح والتغيير.
فجاء إبراهيم ليحدد لنا درسا في هذا الموقف فدعا أبيه إلى عبادة الله تعالى وترك عبادة الأصنام * (واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا) * (1) هذه الدعوة امتزجت فيها العاطفة مع الرسالة، امتزجت لتخط لنا منهاجا في التعامل مع من يفرض علينا طبيعة التعامل أن نتعامل معهم برقة وحنان فكلام إبراهيم (عليه السلام) لأبيه كلام في منتهى الرقة بقدر ما هو بمستوى الرسالة فهو يقول * (يا أبت) * كم لهذه الكلمة من وقع في قلوبنا فضلا عن إبراهيم (عليه السلام) ويكررها مرارا وتكرارا ليشعر أباه بالمكانة التي يحتلها في قلبه فهذه كلمة تطوقها العواطف ويحتويها الإيمان ويأمر بها الدين، وفي هذا البحر العاطفي لم ينسى إبراهيم (عليه السلام) أهداف رسالته بل راح يدعو أباه بأساليب الأنبياء في المواجهة، فأخذ يشرح له مواصفات أصنام قومه التي يعبدونها، فهي لا تسمع ولا تبصر ولا تغني عنك يا أبتي شيئا، فهي لا تنفع نفسها فكيف تنفع غيرها، وهي فاقدة لأدنى مرحلة من مراحل الشعور فكيف تمد غيرها بالأمن والسلام وفاقد الشئ لا يعطيه، وبعد هذا التفنيد لأصنامهم شرع في بيان السر في دعوته إلى الله تعالى فقال: * (يا أبت إني قد جائني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا) * (2)

(٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 ... » »»