سياسة الأنبياء - السيد نذير يحيى الحسيني - الصفحة ٧٠
الحجة والدليل لها محلها في العقل البشري، فالإنسان مهما أنكر من الحجة والبرهان تضل نفسه في حالة الشك والريبة لأنه منهزم برهانيا وإن كابر وعاند، فهذا إبراهيم (عليه السلام) يتبع هذه الحجة العملية مع القوم عندما خرجوا إلى عبادة لهم خارج المدينة وظلت معابدهم محروسة بتلك القوة الغيبية التي تمثلها الأصنام في اعتقادهم فراغ إبراهيم (عليه السلام) يكسر تلك الجثث الهامدة بيمينه القوية المستمدة قوتها من الله تعالى فصور لنا القرآن تلك الحركات والضربات للشياطين المنصوبة على الأرض فقال:
* (فراغ عليهم ضربا باليمين) * (1) فهو يضربهم بقوة لا تعتريها شك، قوة إيمانية متأصلة في نفسه * (فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون) * (2) فنصب لهم إبراهيم الحجة والبرهان عندما كسر أصنامهم نصبها لهم على عنق كبيرا لهم، فلما عادوا إلى المدينة ورأوا الذي حصل لم يفكروا بعقولهم بل راحت العصبية تسري في دمائهم فجاءوا بإبراهيم * (قالوا أأنت فعلت بآلهتنا يا إبراهيم) * (3) فأجاب (عليه السلام):
* (قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون) * (4) قال لهم ذلك والكل يعلم أنهم جثث هامدة لا تقدم ولا تؤخر، فإذا كانوا ينطقون اسألوهم، اسألوهم هل يملكون تلك الحاسة - حاسة النطق - أم لا؟ فإن نطقوا فعله كبيرهم وإلا فلا؟ فوقف القوم حيارى لا يعلمون ماذا يقولون بل قدحت في عقولهم قدحه للتفكير والاستدلال هل هؤلاء يتحركون وينطقون أم لا؟ هل هم أحياء أم أموات لا حياة لهم؟.
فهذه حجة عملية نصبها لهم إبراهيم (عليه السلام) أمام أعينهم ولكن هيهات من حكم شهوته جنى على عقله.

(٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 ... » »»