سياسة الأنبياء - السيد نذير يحيى الحسيني - الصفحة ٧٥
وسيلة أخرى تبين لنا مدى قدرة وقابلية إبراهيم (عليه السلام) في المواجهة فهي وسيلة تختبر من يواجهها اختبارا عسيرا، تختبر إبراهيم (عليه السلام) في صدقه بالرسالة وفي دعواه بالعبودية وتكشف الستار عن وجه القوم البشع، القتل أو الحرق، فواجه إبراهيم (عليه السلام) ذلك بمنتهى الخشوع والطاعة، واجههم بتلك الروح التي تحملت كل أساليبهم الخبيثة، واجههم بالتوجه إلى الله والتسليم الكامل إليه نافيا كل أنواع الشركة معه فقد روي أنه لما ألقي إبراهيم في النار تلقاه جبرائيل في الهواء وهو يهوي فقال: يا إبراهيم ألك حاجة فأجابه إبراهيم أما إليك فلا يأله من تسليم مطلق ومن عبودية كاملة جعلته يستغني به عن سواه في أحرج الظروف وأشدها.
وهذا درس آخر يرسم إبراهيم لنا ملامحه بهذه الروحية التي استغنت حتى عن جبرائيل (عليه السلام) وسلمت الأمر إلى الله تعالى فقال القرآن في ذلك:
* (إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) * (1) آيات ودروس نستعين بها في حياتنا اليومية وإن اختلفت الأساليب والطرق الموجهة ضد المصلحين.
إبراهيم (عليه السلام) وطاغية زمانه المواجهة الجديدة مع الملوك، مع طواغيت الأرض الذين يستعبدون الإنسانية ويحددون لها عقائدها وأفكارها ويسيرونها حسب ما يرغبون، فلم تقتصر دعوة إبراهيم على قومه بل راح يحاجج الملوك ويهزمهم، فهذا النمرود الذي أعرض عن ذكر اسمه القرآن الكريم وذكرته لنا روايات أهل البيت (عليهما السلام).
" عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: الذي حاج إبراهيم في ربه هو نمرود بن كنعان " (2) هذا الطاغية الذي ادعى لنفسه الألوهية عندما قال لإبراهيم (عليه السلام):
* (أنا أحيي وأميت) * (3) وهذا شأن كل الطغاة في هذه الدعوى وإن كتمها البعض قولا فقد صرح بها عملا،

(١) العنكبوت: ٢٤.
(٢) الميزان: ج ٣، ص ٣٨٢.
(٣) البقرة: ٢٥٨.
(٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 ... » »»