سياسة الأنبياء - السيد نذير يحيى الحسيني - الصفحة ٧٦
هذا شأنهم في جعل الشعوب تسير خلف ما يرون وما يحددون، فهذا النمرود بدل أن يشكر الله على هذه النعمة وهذا الفضل راح يفرض نفسه على مشاعر الناس وعقائدهم، وما أن سمع بأن لإبراهيم ربا فوق ما يعبدون وما يتصورون، عظم ذلك عليه وأرسل إليه فأخذ يحاجه في ربه.
* (ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت) * فهذه المواجهة كشفت لنا عن أمرين:
الأول: - مغالطة النمرود لإبراهيم الثاني: - مستوى الحاضرين الفكري وكلا الشقين واضح، أما الأول فإن نمرود غالط عندما قال: (أنا أحيي وأميت) وأنه يعلم أن إبراهيم عندما وصف ربه بهذا الوصف لا يقصد منه ما أراد النمرود من الإحياء والإماتة، وأما الشق الثاني فلم يسجل لنا التاريخ اعتراض أحد من الحاضرين على مغالطة النمرود وهذا بدوره أيضا يكشف عن شيئان جديدان وهما:
ا - أما لغلبة وقهر النمرود لهؤلاء بحيث لا يستطيعون الرد مهما كان الموقف حقا أو باطلا.
ب - العقلية الضحلة التي تحكم المجتمع في فترة حكمه.
وكلا الأمرين كارثة إذا سيطر على شعب من الشعوب لما يرث من الجهل والانحراف والتخلف المستمر.
فلنعد ثانيا إلى إبراهيم (عليه السلام) وماذا أجاب النمرود؟ هل رد المغالطة أم اتبع حجة أخرى أقوى من رد المغالطة وإيضاحها؟
الجواب: - أنه أقام حجة أخرى أجلى وأوضح من رد المغالطة وكشف التلاعب بالألفاظ.
* (قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين) * (1) بهت لما في الحجة من قوة تجعل الخصم حائرا في أمره لا يدري ماذا يفعل وماذا يقول، فهذه المقابلة تعلمنا كيف نواجه أعداء الله إذا حاولوا المغالطة والتلاعب

(٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 ... » »»