سياسة الأنبياء - السيد نذير يحيى الحسيني - الصفحة ٦٤
كتاب الله العزيز وأبصرنا بالخصوص ما ورد من الآيات الشريفة في قوم إبراهيم (عليه السلام) وجدناه يصفهم بأنهم أجسادا بلا عقول لما هم عليه من الأفكار والعقائد والعبادات اليومية التي اختلقوها، فهم يعبدون من لا يزيدهم إن لم ينقصهم بل يذهب بهم إلى الهاوية، فهم يعبدون أصناما وجدوا آباءهم لها عابدين فساروا على تلك الطريقة وعلى ذلك الانحراف بلا تفكير وتأمل وإذا سلمنا أن ما يحيط بالإنسان في بعض الحالات يجبره على أن يفعل شيئا من الأشياء وهذا الجبر ليس خارجا عن قدرة الإنسان بقدر ما هو جبر لظروف موضوعية خاصة فإذا سلمنا ذلك كله وقلنا أن قوم إبراهيم أطبق عليهم الجهل واتبعوا مذاهب شتى لظروف خاصة كان يجب عليهم أن يتبعوا إبراهيم (عليه السلام) عندما صدح بصوت الحق والتحرر عندما قال:
* (اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) * (1) فلا بد للظلام أن يتبدد بهذا الصوت ولا بد للإنسان أن يتحرر فهو صوت الحق والعدالة، فلننظر ماذا كان جواب القوم عندما جاءهم إبراهيم بذلك؟ كان جوابهم المجابهة بالأقوال والأعمال.
* (فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو أحرقوه فأنجاه الله من النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) * (2) فهو يدعوهم إلى العقل والمنطق السليم وهم يأمرون به إلى النار، ويدعوهم إلى الله ويجرونه إلى عبادة الأصنام وإلا فالقتل، يرغبهم ويرهبونه، فهذا هو جواب القوم وهذا شأن كل المواجهات بين المصلحين والمنحرفين، بين الحق والباطل إلى أن تبلغ المواجهة ذروتها وييأس الرسل من أقوامهم ويطبق الظلام عليهم فلا يترك منفذا للنور، عندها تحل السنة الإلهية لتنهي الموقف وتطلق صافرة النهاية ويحل العذاب وتطوى الصحف صحف الأعمال اليومية والملتقى يوم القيامة.
فلو تسائلنا مع أنفسنا لماذا هذا الانحراف والعناد؟ لكان الجواب إننا إذا وضعنا عقولنا جانبا وتصرفنا بحياتنا بعيدا عن التفكير المنطقي البرهاني نجد أنفسنا في هاوية لا ينقذنا منها شئ إلا العودة إلى الصواب والحق، وهذا هو الذي ساد في مجتمعات الأنبياء (عليه السلام)، ساد الجهل فلم يبقي أفكارا وسادت الأنانية فلم تترك مجالا للإيثار والتوجه الصحيح إلى الدعوات الحقة التي يطلقها أنبياء الله (عليه السلام).

(٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 ... » »»