سياسة الأنبياء - السيد نذير يحيى الحسيني - الصفحة ٦٧
تهديد ووعيد وطرد وقتل خالي من أي حجة وبرهان وبدون أي سبب سوى اتباع طريق الحق والعدالة، وهذا هو الجواب الذي رأيناه وسمعناه من الأقوام التي بلغت برسالات الله تعالى، فهو يهدد إبراهيم (عليه السلام) بالرجم الذي هو أشر أنواع القتل، يهدده بالهجر طول الدهر، ويهدده بأن يسلب منه الأمن والأمان، فلهذا التهديد والوعيد وقع في نفس إبراهيم (عليه السلام) لأنه صادر من إنسان قريب إليه، فعندما سمع (عليه السلام) ذلك الجواب تألم كثيرا، تألم على آزر وما سيلاقيه إذا استمر على هذا العناد والمكابرة، فاحتفظ بجواب أبيه ولم يواجهه بأسلوب خشن بل راح يسلم عليه ويستغفر له فهو أسلوب إبراهيمي رسالي ينطلق من واقع الرسالة ويتحرك في أفقها وخطها العام * (قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا) * (1).
فهذه هي المواجهة التي من خلال استعراضها ومن دون تعليق يكشف القارئ الحق والباطل فهذا إبراهيم (عليه السلام) يؤمن أباه بالسلام والاستغفار بعد ما هدده أباه بالطرد والرجم والقتل، بهذا الأسلوب يفلج الحق ويزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا.
وما أن أتم إبراهيم كلامه مع أبيه وجه له في نهاية المطاف كلاما نعتبره في غاية الإيمان والتسليم إلى الله تعالى فهو لم يرهب من التهديد والوعيد بل قال * (وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى ألا أكون بدعاء ربي شقيا) * (2) فهو اعتزال نهائي لا رجعة فيه ولا مجال للشك يا أبت فيما أعتقد وأقول بل هو إيمان واطمئنان بقوة خارقة وجبارة قادرة على أن تغير المواقف وتبدل الأحوال إذا عجز البشر عن ذلك.
المعية الإلهية لا بد للإنسان أن يعطف حياته بالتوجه الكامل والتسليم المنقطع إلى تلك القوة الغيبية الحاضرة مع الإنسان في كل حركاته وسكناته وهي أقرب إليه من حبل الوريد كما عبرت عن ذلك بعض الآيات والروايات الواردة عن الأئمة (عليهما السلام). فهي معية مرافقة للإنسان في كل مراحل حياته فأشار إليها إبراهيم (عليه السلام) عندما قال:
* (الذي خلقني فهو يهدين) * (3)

(٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 ... » »»