مصباح الفقيه (ط.ق) - آقا رضا الهمداني - ج ٣ - الصفحة ٢١٨
واجبا من الواجبات الشرعية فتأمل وكيف كان فالظاهر إنه لا إشكال في جواز رهنه في هذه الأزمنة المتعذر فيها إقامة الحدود فما عن بعض من أطلاق القول بعدم الجواز في الفطري بل في غيره أيضا ضعيف وكذا يصح رهن الجاني خطأ وفي العمد تردد والأشبه الأظهر الجواز كسابقه لحصول المقتضى الذي هو استجماع شرائط للرهن إذا الظاهر عدم خروجه بالجناية عن ملك مالكه بل هو باق على ما كان فيجوز لمالكه التصرف فيه بما يشاء إلا أن يمنعه مانع وما يصلح لأن يتوهم كونه مانعا في المقام ليس إلا تعلق حق المجني عليه به وهو غير مانع عن الرهن كما تقرر في مبحث البيع لعدم المنافاة إذ ليس حقه إلا سلطنته على استرقاقه ولكن بشرط امتناع المالك عن الفداء في الأول وهذا هو الفارق بين القسمين ولعل هذا تردد المصنف (ره) في القسم الثاني أولا دون الأول نظرا إلى أن حق المجني عليه تعلقه برقبة العبد فيه أجلى حيث إن اختيار الفداء في العمد له بخلافه في الخطاء فإنه بيد المالك وكيف كان فلا ينافي نفوذ التصرفات الصادرة عن المال قبل أن يسترقه إذ غاية ما يقتضيه حقه جواز استرقاقه مهما شاء بعد تحقق شرطه من امتناع المالك في القسم الأول سواء كان باقيا على ملك المالك أو نقله إلى الغير نعم لو باعه ثم استرقه المجني عليه يستعقبه الفروعات المذكورة في محلها من أن خسارته على المشترى والبايع وعلى فرض كونه على البايع هل يقع العقد مراعى أو ينفسخ من حينه وعلى أي تقدير فلا إشكال في أصل جواز البيع وصحته في مرحلة الظاهر ولو قلنا بكونه مراعى وأنت خبير بأنا إذا بنينا على صحة البيع ونفوذه فلا يبقى مجال للتردد في تجويز الرهن بل لو قلنا بوقوع البيع مراعى أو إنه ينفسخ من حينه لا نلتزم بمثله في الرهن ضرورة أن معنى الرهن ليس استيفاء الدين منه أو بقائه إلى زمان الاستيفاء حتى يحكم بارتفاعه بل ليس الرهن إلا أخذ مال يستوثق به وهذا المعنى يتحقق بمجرد قبض الرهن وبالاسترقاق يرتفع موضوع الرهن كما لو تلف في أثناء الاجل ومعلوم إنه لا يوجب فسخ العقد ولا بطلانه ويمكن دعوى الفرق بين البيع والرهن بالنظر إلى اعتبار الاستيثاق في الرهن دون البيع فيمنع تحققه في مثلا المقام ويلتزم بصحة البيع دون الرهن ولا ينافيها القاعدة المسلمة من أن كلما جاز بيعه جاز رهنه لأنه إنما هي بالنظر إلى ذوات المتعلق لا بالنظر إلى الموانع التي تعرضها وتمنعها عن تحقق مفهوم الرهن أو البيع كما لا يخفى ويدفعها ما عرفته غيره مرة من أن مثل هذه الاحتمالات كاحتمال تلف العين المرهونة لا تنافى الاستيثاق المعتبر في الرهن وتوضيحه أن المعتبر في الرهن ليس إلا أن يكون تحت يد المرتهن شئ يمكن استيفاء حقه منه فيكون بذلك مثل من كان ماله تحت يده وأما احتمال تلفه وضياعه ليس إلا كقيام هذا الاحتمال في سائر أمواله وقوة هذا الاحتمال وضعفه لا ينافي أصل الاستيثاق الحاصل من سلطنته على الرهن الذي هو من مال الراهن وإن شئت قلت إنه يحصل له بأخذ الرهن مرتبة من الوثوق بوفاء الدين الذي لم تكن قبله وإن لم يكن هو في حد ذاته مما يطمئن ببقائه سليما له وهذا المقدار من الوثوق يكفي في صحة الرهانة والصدق العرفي وهل يتعين على الراهن الفداء في صورة الخطاء فلا يجوز له تركه المقتضى لسلطنة المجني عليه على الاسترقاق أم لا وجهان قد يقال بالوجوب التعين أحد فردي الواجب التخييري بإيجاد المانع عن الأخرى حيث إنه بالعقد اللازم صار متعلقا لحق الغير فيجب الوفاء به وترك الفداء نقص له وفيه أن وجوب الوفاء عليه لا يقتضى وجوب حفظ الموضوع ومنع الغير عن الاخذ بحق سابق مع الامكان لأن معنى وجوب الوفاء عليه ليس إلا أن لا يرفع يده بنفسه عن هذا العقد لا أن يمنع الغير عن التصرف فيه لو كان لهم حق سابق يقتضى ذلك وقد يقال أيضا بأن نفس الرهانة بنفسها ظاهرة في اختيار الفداء فيجب عليه الفداء لاختياره ذلك ودليله عليه فعله وفيه بعد تسليم الدلالة أنه لا ملزم له بذلك لأن مجرد الالتزام ولو بالقول لا يعينه فله الرجوع عما ألتزم به وتنظيره بما لو ألتزم بالفداء بعد المطالبة وتلف العبد بعد ذلك في غير محله لظهور الفارق بين المقامين ويمكن أن يوجه ذلك بما سنذكره في المسألة الآتية من إمكان دعوى استفادة الالتزام من الراهن بحفظ الرهن للمرتهن من عقد الرهن عرفا فيثبت له حق عليه هو يقتضى ذلك فإن تم ما ذكرنا من الاستفادة فهو وإلا فالأوجه عدم الوجوب ولو رهن ما يسرع إليه إفساد قبل الاجل ولكن كان مما يمكن إصلاحه بتجفيف ونحوه صح الرهن بلا إشكال لوجود المقتضى وعدم المانع فهل يجب حينئذ على الراهن الاصلاح بمعنى أن المرتهن يستحق مطالبته منه أم لا بل ليس عليك إلا الحكم التكليفي فيما لو كان الحفظ واجبا مع قطع نظر عن كونه رهنا كنفقة الحيوان مثلا فعلى هذا ليس للمرتهن الزامه بذلك بل يباشر الاصلاح بنفسه لو أراد استيفاء حقه وإلا فلا فيه وجهان أوجههما الأول بل الظاهر إنه من المسلمات عندهم من دون تردد فيه ووجهه قضاء العرف بذلك فيما لو رهن ما يتوقف بقائه على النفقة كالحيوان مثلا وكذا ما يحتاج بقائه إلى زمان الاستيفاء إلى مصارف حيث إن المرتكز في أذهانهم ان ليس المصارف فيما يحتاج إلى المصارف على من يتخذه رهنا بل هو على مالكه كسائر أمواله على النحو المتعارف فمتى أوقعوا العقد عليه يصير هذا في قوة الاشتراط عليه في متن العقد فيصير المرتهن بذلك ذا حق عليه فله المطالبة بحقه فيما إذا كان بقائه بحسب العادة يتوقف على المخارج مما لا إشكال فيه وأما فيما لو طرء ما يفسده في أثناء الاجل وكان مما يمكن إصلاحه فجواز إجباره عليه لا يخلو عن إشكال وإن كان ظاهرهم التسالم على ذلك أيضا ولعله لدلالة الرهن عرفا على التزام الراهن يحفظه بقدر الامكان حتى يتمكن المرتهن من استيفاء دينه منه عند حلول الأجل وليس بالبعيد هذا فيما أمكن إصلاحه وأما فيما لم يمكن ذلك فإن شرط بيعه وجعل ثمنه مكانه في استيفاء الدين منه جاز لحصول المقصود من الرهن بهذا الشرط فيبيعه الراهن ويجعل ثمنه بمنزلته فإن أمتنع أجبره الحاكم وإن تعذر باعه المرتهن رفعا للضرر وجمعا بين الحقين وإن لا يشترط ذلك بطل الرهن لفوات المقصود منه سواء شرط عدم البيع أو أطلق الرهن لو لم نقل بظهوره في إشتراط البيع عند الحاجة صونا لفعله عن اللغو وإلا فيرجع إلى القسم الأول و احتمال صحة الرهن في الفرض لحكم الشارع بالبيع فيحصل به المقصود من الرهن مدفوع بأن الحكم إنما هو بعد تحقق الموضع المعتبر في ماهية إمكان استيفاء الدين منه فلا يعقل تصحيح الموضوع بالحكم وقيل يصح الرهن ويجبر على بيعه اتكالا على الاحتمال المذكور وقد عرفت ضعفه واعلم أن
(٢١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 ... » »»