مصباح الفقيه (ط.ق) - آقا رضا الهمداني - ج ٣ - الصفحة ٢١٩
ظاهر المصنف ومن عبر كعبارته عدم اعتبار أمر آخر في صحة الرهن عدى الشرائط الأربعة المذكورة لكن عن القواعد لا يصح رهن المجهول بل عن الخلاف نفي الخلاف عن عدم صحة الرهن فيما في الحق بل قيل ظاهره نفيه بين المسلمين إلى غير ذلك مما يدل على إن اعتبار المعلومية في الجملة مما لا إشكال فيه عندهم وقد عرفت أن عبارة المصنف (ره) قاصرة عن إفادة اعتبارها ودعوى استفادتها من قوله يصح بيعه لكونها شرطا في صحة البيع ظاهرة الفساد إذ ليس هذا سوقا لبيان انه يعتبر في صحة الرهن وانعقاده كلما يعتبر في البيع والا لزم أن لا يصح رهن المكيل والموزون إلا بالكيل والوزن مع أنه لا يحتمل إرادة مثل ذلك من العبارة بل المراد من هذا الشرط أنه يعتبر في صحة الرهن أن يكون قابلا للبيع في حد ذاته حتى يمكن استيفاء الدين منه لا أنه يجب أن يكون شرائط صحة البيع متحققة حال انعقاد عقد الرهن كما لا يخفي ثم أن الوجه في اعتبار هذا الشرط هو عموم نفى الغرر لأن رهن ما في الحق لو لم يعلم جنسه غرر فيجب معرفتها حتى يصح الرهن ولكن يمكن أن يناقش في العموم بحيث يعم الرهن الذي ليس من العقود المعاوضية حقيقة كالهبة فعلى هذا يصح رهن المجهول مطلقا نعم يعتبر فيه أن يكون معلوما بوجه من الوجوه حتى يمكن تعلق القصد به مثلا لو علم بأن في الحق شيئا متمولا في الجملة يصح جعله رهنا مطلقا وهذا المقدار من المعرفة لا يكفي في الصحة لو اعتمدنا في الاشتراط على عموم نفى الغرر نعم لا يخفي إن اتصاف المعاملة بكونها غررية مما يختلف بالإضافة إلى أنواع المعاملات بنظر العرف مثلا لو بيع ما لا يعلم كيله ووزنه وكان مما يكال أو يوزن يقال عرفا أن البيع غرري بخلاف ما لو رهنه أو أجره مثلا الفائدة فلا يقال أنها غررية وهذا واضح ولذا وبنينا على اعتبار العلم بأوصاف العين المرهونة بدليل نفي الغرر لا نلتزم ببطلان الرهن بكل جهالة يبطل لأجلها البيع كما في صورة الجهل بالمقدار وغير ذلك فأفهم.
الفصل الثالث في الحق الذي يجوز أخذ الرهن عليه وهو كل دين ثابت أي متحقق حال انعقاد الرهن في الذمة كالفرض وثمن المبيع والأجرة وغيرها و يتفرع على ذلك إنه لا يصح الرهن فيما لم يحصل سبب وجوبه كالرهن على ما يستدينه وعلى ثمن ما يشتريه وفي الجواهر بلا خلاف أجده بيننا بل في التذكرة وجامع المقاصد الاجماع عليه ووجهه أن مفهوم الرهن المعبر عنه بالفارسية " بگر وگرفتن " لا يتحقق في الخارج إلا بأن يكون للمرتهن عند الراهن شئ وما كان في ذمته أو على عهدته على إشكال في الأخير كما سنوضحه إنشاء الله لا لأن الاستيثاق بمال الراهن عما ليس على عهدته فعلا غير معقول ضرورة تعقل نحو من الاستيثاق بحبس ماله أو أخذ الكفيل منه لئلا يسرق من أمواله الذي ليس فعلا تحت يد الراهن فيحصل له بذلك مرتبة من الوثوق بالنسبة إلى أمواله التي تحت يد ولكن من المعلوم ضرورة لمن راجع وجدانه إن المتبادر من الرهن مفهوم آخر يغاير الاستيثاق بهذا النحو بمعنى أنه ليس كل استيثاق رهنا بل المتبادر منه أن يكون بحذاء حق ثابت إذ لا نعقل من مفهوم الرهن إلا حبس شئ من مال الراهن بدلا عما له عنده حتى يسهل عليه استيفاء ماله عنده فهو أشبه شئ بالمقاصة فكما لا يعقل التقاص قبل استقرار الحق كذلك الرهن عليه وأما الاطلاقات العرفية في بعض المقامات كما في المثال المذكور فهي مبينة على ضرب من التأويل والمسامحة وليس على حقيقته وهذا مما لا خفاء فيه بل الظاهر أنه لا يلتزم أحد بتحقق الرهن حقيقة قبل استقرار الحق على الراهن وإنما ذهب من ذهب إلى الجواز فمسألة الرهن على ما يستقرضه وثمن ما يشتريه كما عن أبي حنيفة وبعض وجوه الشافعية إلى أنه يصير رهنا بالقرض والبيع فهو مراعى إلى أن يتحقق الحق وكيف كان فالظاهر إن هذا مما لا إشكال فيه وإنما الاشكال في قصر الحق الذي بجواز أخذ الرهن عليه بالدين كما هو ظاهر المصنف وصريح المحكى عن آخرين بل ربما ينسب إلى الأكثر المقتضى لبطلان الرهن على الأعيان المضمونة مطلقا وهو بإطلاقه مشكل بل الأقوى في الأعيان المضمونة باليد صحة الرهن عليها دون المضمونة بالعقد أو ضمان درك المبيع توضيح المقام أنك قد عرفت إن ماهية الرهن يتوقف تحققها على ثبوت شئ يحاذيها فلا يعقل أخذ الرهن على ما هو ثابت تحت يده من الأجنبي باحتمال أنه سيسرقه فحينئذ نقول الشئ الثابت عند الراهن أما أن يكون كليا على ذمته أعني الدين فلا إشكال في جواز أخذ الرهن عليه بل القدر المتيقن من مشروعيته هو هذه الصورة وأما أن يكون عينا خارجية تحت يده حقيقة أو حكما بأن يكون ضمانها عليه وأما ضمان العقد أو درك المبيع فعلى فرض الالتزام بجواز أخذ الرهن عليه فلا بد من إرجاعه إلى أحد هذين القسمين لما ذكرنا من عدم معقولية أخذ الرهن على مالا ارتباط به فعلا بأن لا يكون في ذمته ولا يكون عينه تحت يده أو يكون خسارته عليه ثم العين الخارجية أما أن تكون مضمونة عليه أم لا أما ما لا يكون ضمانها عليه بأن كانت يده يد أمانة فلا إشكال بل لا خلاف في عدم صحة أخذ الرهن عليه ضرورة أن يد الأمين يد المالك فكما لا يجوز أخذ الرهن على ما هو تحت يده كذا لا يجوز أخذه على ما وضعه عند غيره وسلطه في حفظه ومجرد كونه عنده لا يكون منشأ لجواز حبس ماله بحذائه مع أنه لا حق له عليه بسببه وكونه مكلفا بالأداء والرد إليه لا يوجب ثبوت حق له عليه وضعا فليس في المقام عليه إلا مجرد الحكم التكليفي بفعل الأداء وهو لا يوجب جواز أخذ الرهن عليه وإلا لجاز أخذ الرهن على جميع الأفعال الواجبة كالصلاة والصوم وكون متعلقه مالا لا يوجب الفرق بعد أن لم يكن عليه إلا الفعل واحتمال التعدي والتفريط لا يوجب ثبوت حق له عليه فعلا حتى يصح أخذ الرهن عليه فليس هذا الاحتمال إلا كاحتمال السرقة في أمواله هذا كله مع عدم إمكان الاستيفاء الذي هو من مقومات الرهن إذ مع بقاء العين وتمكنه من إيصالها ليس له إلا مطالبة شخص العين وعند التعذر لا شئ عليه فلا يمكن الاستيفاء من الرهن بوجه من الوجوه وإمكانه على فرض التعدي والتفريط غير مجد لأن الفرض غير حاصل كما هو المفروض فالرهن عليه حقيقة رهن على ما يحتمل تحقق سبب صحته فيما بعد وأما نفس احتمال التعدي والتفريط فقد عرفت أنه ليس شيئا وإلا لجاز فيما في يده باحتمال السرقة إذ لا فرق بين المقامين بعد فرض كونه أمينا وكون يده عليه بإذنه ووكالته وأما ما يتراءى من الاطلاقات العرفية فقد ذكرنا أنه مبنى على نحو من المساحة والتأويل أما الأعيان المضمونة فأما أن يكون ضمانها ثابتة بقاعدة اليد أو بالعقد والضمان العقدي أما ضمان الدرك أو غيره مثل ضمان المبيع قبل قبضه أو الضمان المتحقق في زمن الخيار على من لا خيار له أما القسم الأول فالأقوى فيه جواز أخذ الرهن عليه ووجهه ان الضمان المستفاد
(٢١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 ... » »»