جعله الشارع تحريما للصلاة وبه يتحقق حرمة منافيتها ليس بخارج عن التكبيرات الافتتاحية بل هو بعينه التكبير الذي يفتح به الصلاة ولذا جعل الأصحاب رضوان الله عليهم تكبيرة الاحرام مراد فالتكبيرة الافتتاح كما هو مقتضى الأصل واطلاق دليل التكبير فان مقتضاهما ان لايراد بمثل قوله عليه السلام تحريمها التكبير تكبير وراء التكبير الذي ورد في الأخبار المتقدمة وغيرها الامر باتيانه في افتتاح الصلاة فالتكبير الذي يترتب عليه حرمة المنافيات هو بعينه التكبير الذي يفتتح به الصلاة وقد دلت الأخبار المتقدمة على أن ذلك التكبير لا يشترط فيه الوحدة بل يتحقق في ضمن تكبيرة واحدة والثلاث والخمس والسبع فالتكبير الذي هو أول اجزاء الصلاة أريد به ما يعم الواحد والمتعدد ومتى اختار المكلف المتعدد لا يزيد به عدد اجزاء الصلاة حيث إن اعتبار المتعدد في الصلاة انما هو بلحاظ القدر المشترك الحاصل به الذي هو امر واحد لا تكرر فيه فلا يتوجه عليه الاشكال بان افتتاح الصلاة عبارة عن الدخول فيها بالاتيان بالجزء الأول الذي يبتدء به الصلاة فلا يعقل حصوله بأكثر من تكبيرة إذ لو اتى بتكبيرات ثلاث أو خمس أو سبع فاما ان يحصل الافتتاح والدخول في الصلاة باوليها أولا فان حصل بالأولى فقد حرم بها فعل منافيات الصلاة وصار ما بعدها حالها حال القراءة في وقوعها في أثناء الصلاة واما ان يحصل بما عداها فما يقع من التكبيرات قبل التكبيرة التي يتحقق بها الافتتاح والدخول في الصلاة حاله حال الإقامة الواقعة قبل الصلاة فعلى اي تقدير تسمية الجميع بالتكبيرات الافتتاحية مبنية على التجوز توضيح الاندفاع ان الجزء الأول الذي يبتدء به الصلاة هو جنس التكبير الصادق على الواحد والمتعدد فالمتعدد انما يكون جزء من حيث كونه مصداقا للتكبير الذي هو أول اجزاء الصلاة لا من حيث تعدده فالجميع جزء واحد يتحقق به الاحرام والافتتاح فحال التكبيرات السبع عند قصد الافتتاح والاحرام بجميعها حال التكبيرة الواحدة في أنه يتوقف حرمة المنافيات على الفراغ منها وتحصيل الدخول في الصلاة بمجرد الشروع فيها ان فسره الدخول في الصلاة بالاشتغال والتلبس بها كما عرفته في محله وان أريد به معنى لا يتحقق الا بعد الاتيان بالجزء الأول فلا يتحقق الا بعد الفراغ من المجموع الذي هو جزء واحد من الصلاة وكيف كان فلا يعارض هذه الأخبار شئ من الروايات الدالة على حصول الافتتاح بتكبيرة واحدة كالرواية الحاكية لفعل النبي صلى الله عليه وآله من أنه صلى الله عليه وآله كان يقول الله أكبر بسم الله الخ والحاكية لفعل الصادق عليه السلام في مقام بيان مهية الصلاة من أنه بعد ان قام مستقبل القبلة منتصبا قال الله أكبر ثم قرء الحمد وغير ذلك من الروايات الدالة عليه إذ لا تنافي بين مثل هذه الروايات وبين تلك الأخبار كما هو واضح وكذا لا يعارضها بعض الروايات الآتية التي وردت لبيان حكمة استحباب الافتتاح بالسبع مما يستظهر منها حصول الافتتاح باوليها لا غير كما سنشير إليه وكذا لا ينافيها الاخبار التي ورد فيها استحباب اجهار الإمام بواحدة من التكبيرات كقوله عليه السلام في ذيل رواية أبي بصير المتقدمة غير انك إذا كنت اماما لم تجهر الا بواحدة وفي صحيحة الحلبي فإذا كنت اماما يجزيك ان تكبر واحدة تجهر فيها وتسر ستا وفي خبر الحسن بن راشد المتقدم ان النبي صلى الله عليه وآله كان يكبر واحدة يجهر بها ويستر ستا فان غاية ما يمكن ادعائه انما هو اشعار مثل هذه الروايات أو ظهورها في أن ما يجهر بها هي بالخصوص تكبيرة الافتتاح دون ما عداها ولا ينبغي الالتفات إلى مثل هذا الظهور في مقابل تلك الأخبار التي كادت تكون صريحة في خلافه فالأقوى بالنظر إلى ظواهر الاخبار هو القول المحكى عن والد المجلسي رحمه الله ولكن هذا القول بحسب الظاهر مخالف لاجماع الأصحاب حيث لم ينقل القول به عن أحد سواه بل استفيض نقل الاجماع على خلافه وان تكبيرة الاحرام التي يجب ان تفتتح الصلاة بها هي احدى التكبيرات السبع الافتتاحية اما عينا وهي الأولى كما ذهب إليه غير واحد من المتأخرين أو الأخيرة كما حكى عن ظاهر بعض القدماء أو ان المكلف مخير في تعيينها كما هو المشهور بل ادعى عليه بعض الاجماع وجعل النزاع في تعيين الأولى أو الأخيرة من حيث الأفضلية لا في أصل التخيير فلابد حينئذ من صرف الاخبار المزبورة عن ظاهرها بقرينة الاجماع فيحمل الاخبار التي ورد فيها الامر بثلاث أو خمس أو سبع على كونها مسوقة لبيان بقاء التكبير بصفة المطلوبية بعد الاتيان بفرد منه وانه من قبيل تعدد المطلوب بمعنى ان فرد منه مطلوب بطلب الزامي وما زاد عليه بطلب ندبي لا ان المجموع لوحظ عملا واحدا تعلق به طلب الزامي بلحاظ القدر المشترك بينه وبين الأقل منه بالتقريب المتقدم كما انا لو بنينا على أن التكبيرات المتعددة اعمال مستقلة بنظر العرف بحيث لا يمكن ملاحظتها عملا واحدا ونحوا من انحاء وجود الطبيعة لتعين جمل اخبارها على ذلك نظير ما لو قال حج ولو في العمر مرة أو قال أدنى ما يجزي من الحج للمستطيع مرة والثلاث أو الخمس مثلا أفضل فان في مكان تعلق طلب واجد بالجميع قرينة على أن طلبه ينحل إلى طلبات عديدة ولكن مقتضى اتصاف الفرد المأتى به أولا بصفة الوجوب ما زاد عليه بصفة الاستحباب لما عرفت في مبحث النية في الوضوء من أنه لو تعلق طلب وجوبي واستحبابي بطبيعة واحدة بلحاظ افراده المتعددة وجب ان يتصف ما يوجد منها في الخارج أولا بصفة الوجوب وما زاد عليه بصفة الاستحباب إذ لا مقتضى للالزام بالزائد على المقدار الذي لا يرضى الامر بتركه بخلاف ذلك المقدار فإنه واجب فالامر الاستحبابي والوجوبي لا يتخير ان عليه دفعة لأنه ما لم يأت بشئ منها يجب عليه ايجاد مسماها ومتى أوجد مسماها ارتفع وجوبها وبقيت بعد مطلوبه بطلب ندبي ولذا صرحوا بان من اشتغلت ذمته بوضوء واجب لا يجوز ان يأتي به بنية الندب والحاصل ان مقتضى التوجيه المزبور هو الالتزام بان التكبير الواجب هو التكبيرة الأولى سواء قصد بها الوجوب أم اتى بها بنية الاستحباب غاية الأمر انه يقع الكلام حينئذ في أن مثل هذا القصد اي نية الخلاف قادح في صحة العبادة أم لغو وقد بينا ما هو الحق لدينا في المبحث المشار إليه واما انه يقع مستحبا فلا إذ لا يعقل ان يتوارد على موضوع واحد حكمان من جهة واحدة فلا يعقل ان يقع هذا الفرد من التكبير بصفة الوجوب من حيث كونه واحدا من التكبيرات السبع الافتتاحية وبصفة الاستحباب أيضا من هذه الحيثية ضرورة اشتراط المغائرة بين متعلقي الوجوب والاستحباب اما ذاتا أو وجودا فوقوعه
(٢٤٦)