تقريرات آية الله المجدد الشيرازي - المولى علي الروزدري - ج ٤ - الصفحة ٢٥٨
كلامنا الآن في ذلك المقام.
فتلخص مما حققنا أنه لا دليل على التخيير مع احتمال وجوب الترجيح بأي لحاظ في الخبرين المتعارضين، فان مدركه:
إن كان دليل اعتبار خبر الواحد، فهو لا يقتضي حجية واحد من المتعارضين، فضلا عن اقتضائه لحجية غير محتمل الترجيح.
وإن كان ما قام على حجية أحدهما في الجملة، فهو - أيضا - لا يقتضي حجة غير محتمل الترجيح، حتى يثبت التخيير، وإنما القدر المتيقن منه حجية محتمله.
وإن كان أدلة التخيير، فهي مقيدة بصورة فقد المرجحات المنصوصة لا محالة - كما عرفت - بل الدليل على عدمه بأي لحاظ، كما عرفت.
نعم يتجه القول به - بناء على اعتبار الأخبار من باب السببية التي لا نقول بها -، إذ الكلام في وجوب الترجيح بمزية لأحد الخبرين المتعارضين موجبة لأقربية ذيها إلى الحق، أو أبعديته عن الباطل بالنسبة إلى فاقدها، وغاية ما يترتب عليها إنما هي تأكد جهة الكشف والطريقية في ذيها بالنسبة إلى فاقدها، ومن المعلوم أو جهة الكشف غير ملحوظة أصلا على ذلك التقدير في وجوب العمل بالخبر، حتى يتأكد بقوتها وجوب العمل بالأقوى من تلك الحيثية، والمناط في الترجيح بين المتعارضين على ذلك التقدير ما هو المناط في سائر الواجبات المتزاحمة، وهو تأكد وجوب أحدهما بالإضافة إلى الآخر المتوقف على تأكد ما يقتضي وجوبه بالإضافة إلى ما يقتضي وجوب الآخر، فلا بد في مقام ترجيح أحد الخبرين المتعارضين - حينئذ - من مزية له من غير سنخ المزية المتنازع فيها محتملة لتأكد مطلوبية العمل بذيها بالإضافة إلى الآخر وليس الكلام فيها، فتأمل (1).

(1) وجه التأمل أنه ليس جميع المرجحات المتنازع فيها كذلك، بل بعضها كالأعدلية، بل ومخالفة العامة أيضا - مما يصلح لإحداث مزيد حسن في مورده، فيحتمل معه تأكد وجوب مورده من وجوب العمل بفاقده.
وبعبارة أخرى: العمل بقول العادل مع الشك في صدقه نوع إعظام له وهذا العنوان له مطلوبية ذاتية، ويحتمل أن يكون إعظام الأعدل عند تزاحمه لإعظام العادل أهم في نظر الشارع، وإذ فرض تساوي الراويين في ذلك مع مخالفة قول أحدهما لمذهب العامة فعنوان الإعظام وإن ان مطلوبيته بالنسبة إلى قوليهما سواء، إلا أن اتحاده في قول أحدهما مع عنوان مخالفة العامة وترك النسبة بهم يصلح لتأكد مطلوبيته، فإن عنوان ترك النسبة بهم - أيضا - له مطلوبية ذاتية.
اللهم إلا أن يقال: الجهة المؤكدة للوجوب لا بد أن يكون عنوانا مقتضيا لوجوب العمل مع قطع النظر عن اتحاده مع عنوان واجب، حتى يكون اتحاده معه موجبا لتأكد وجوبه، لأن الطلب المؤكد لا يعقل تأكده إلا بما يكون من نوعه، فلو فرض اتحاد واجب مع عنوان مستحب في نفسه فهو غير صالح لتأكد وجوبه، بل لا يتأكد وجوبه ولو مع اتحاده مع الف عنوان من العناوين المستحبة، كما سيأتي توضيحه عن قريب، ومن المعلوم أن إعظام العادل، وكذلك ترك النسبة بالعامة، ليس شيء منهما واجبا في حد نفسه، فيصح القول بأن شيئا من المرجحات المنصوصة لا يصلح للترجيح به - بناء على اعتبار الأخبار من باب السببية - فافهم. لمحرره عفا الله عنه.
(٢٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 253 254 255 256 257 258 259 260 261 262 263 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 في أصالة البراءة 5
2 البراءة - الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي 7
3 البراءة - الفرق بين التخصيص والحكومة 13
4 البراءة - صور الاشتباه في الشبهة الحكمية 15
5 البراءة - الاستدلال بآية نفي التكليف عليها 17
6 البراءة - الاستدلال بآية نفي التعذيب عليها 20
7 البراءة - رد الاستدلال بآية نفي التعذيب 25
8 البراءة - الاستدلال بآية قل لا أجد وغيرها 26
9 البراءة - الاستدلال بحديث الرفع 29
10 البراءة - الاستدلال بالحسد ومعصية وغيره 37
11 البراءة - الاستدلال بصحيحة عبد الرحمن 39
12 البراءة - في الاستدلال بالسنة 44
13 البراءة - في الاستدلال بالإجماع والعقل 52
14 البراءة - في الاستدلال بالعقل 55
15 البراءة - الاستدلال بالاستصحاب 61
16 البراءة - الاستدلال على الاحتياط بالكتاب والسنة 63
17 البراءة - بيان العلاج بين ما دل على البراءة والاحتياط 68
18 البراءة - الجواب عن الروايات الدالة على الاحتياط 71
19 البراءة - مفاد أدلة الاحتياط 76
20 البراءة - الشبهة المحصورة وأحكام أقسامها 82
21 البراءة - التفصيل بين ما يعم البلوى وغيره 95
22 البراءة - رجحان الاحتياط ووجوب التعليم 97
23 البراءة - جريان أصالة الحل في مورد الشك 101
24 البراءة - وظيفة الجاهل عند عدم إفتاء المجتهد بالاحتياط أو البراءة 104
25 البراءة - عدم استناد الحلية إلى أصالة الحل 107
26 البراءة - التمسك بقوله (لا يحل مال) في الشبهة الموضوعية 111
27 البراءة - إيراده على الحر العاملي 113
28 البراءة - رجحان الاحتياط 115
29 البراءة - بيان رأي المحدث الحر العاملي 119
30 البراءة - تحقيق كلام المحقق الأسترآبادي 120
31 البراءة - اخبار من بلغه 122
32 البراءة - بيان موارد مشروعية الاحتياط 130
33 البراءة - اختصاص أدلتها بالشك في الوجوب التعييني وعدمه 132
34 في التعادل والترجيح 147
35 التعارض بين الحكم الواقعي والظاهري 149
36 ميزان الحكومة والورود 176
37 الفرق بين الدليل الحاكم والمخصص 178
38 الوجوه المتصورة في اعتبار الأصول 181
39 كيفية الجمع بين الأمارات والأصول 184
40 جريان الورود والحكومة في الأصول اللفظية 190
41 تعليق حجية العام على عدم القرينة 193
42 قاعدة: الجمع مهما أمكن أولى من الطرح 195
43 بيان منشأ التعارض بين الخبرين 208
44 عدم شمول الأدلة لصورة التعارض 211
45 تأسيس الأصل الأولي في المتعارضين والمتزاحمين 215
46 الفرق بين صورة تعارض الطريق المعتبر واشتباهه بغيره 220
47 تبعية المدلول الالتزامي للمطابقي 222
48 تأسيس الأصل الثانوي في المتعارضين والمتزاحمين 226
49 مفاد الاخبار عند التعارض 235
50 حكم الترجيح عند تعارض الاخبار 247
51 أدلة القول باستحباب الترجيح والجواب عنها 249
52 المختار والدليل في حكم الترجيح 256
53 عدم ثبوت التخيير مع احتمال وجوب الترجيح 258
54 تأسيس الأصل في الواجبين المتزاحمين 260
55 كلام السيد الصدر في مفاد الاخبار والتحقيق فيها 273
56 التعدي عن المرجحات وعدمه 288
57 انقسام المرجحات 299
58 الكلام في الخبرين المتعارضين 303
59 تشخيص موضوعي النص والأظهر في المتعارضات 332
60 انقسام المرجحات إلى السندية والمتنية 354