تقريرات آية الله المجدد الشيرازي - المولى علي الروزدري - ج ٤ - الصفحة ٢٢١
يكون كل منهما حجة، بل أحدهما، فالنافي للثالث إنما هو أحدهما، لا كل منهما، فارتفع الفرق بين المقامين بما ذكر.
ويمكن دفعه، بأن غاية ما في المقام إنما هو العلم الإجمالي بكذب أحدهما في مدلوله المطابقي، وأما كذبه بالنسبة إلى نفي الثالث الذي هو مدلوله الالتزامي فلا، ولما كان المفروض وجود مقتضي الحجية في كل منهما وقد مر أنه لا بد بعد إحرازه من ترتيب مقتضاه عليه إلا أن يمنع مانع، وأنه على تقدير وجود مانع لا بد من الاقتصار في رفع اليد عن مقتضاه بمقدار مانعية ذلك المانع، فهما بالنسبة إلى مدلوليهما المطابقي كالطريق المعتبر والغير المعتبر المشتبهين، وأما بالنسبة إلى ذلك المدلول الالتزامي فلا. بل كل منهما حجة عليه فيصح الفرق.
وقد يشكل: بأن القدر المعلوم وإن كان كذب أحدهما في مدلوله المطابقي دون مدلوله الالتزامي الذي هو عدم الثالث، لكن مجرد الشك في كذبه في مدلوله الالتزامي لا يصلح لكونه سببا لحجيته فيه، بل لا بد معه من حجيته في مدلوله المطابقي - أيضا - بكونه أيضا مشكوكا، فإن المدلول الالتزامي من توابع المطابقي، فإذا حكم بعدم إرادة المطابقي، فيحكم بعدم إرادة الالتزامي - أيضا - فأحدهما الذي علم بكذبه لا يكون حجة في نفي الثالث - أيضا - فارتفع الفرق المذكور لذلك.
ويمكن دفعه، بأن المدلول الالتزامي لا يدور إرادته مدار إرادة المطابقي نفيا وإثباتا، بل إثباتا فقط - بمعنى أنه لا يمكن انفكاك إرادة الالتزامي عن إرادة المطابقي - وأما العكس فهو ممكن - كما في المدلول التضمني - فتأمل (1).

(1) من الخطاب الدال على إرادة المطابقي إلا بعد حمله على إرادته منه.
وبالجملة استفادة الجزء أو اللازم من حيث كونهما جزء أو لازما متوقفة على استفادة الكل أو الملزوم.
نعم قد يكون استفادته منهما من الخطاب المتعلق بالكل أو الملزوم بوجه آخر غير متوقف على حمله على إرادة الكل أو الملزوم، بل مبني على عدم إرادتهما وهو أنه إذا قام قرينة على عدم إرادتهما فيحمل الخطاب على إرادة الجزء أو اللازم من جهة أنه إذا تعذر حمل لفظ على حقيقته فلا بد من حمله على أقرب مجازاته إذا كان مجاز أقرب، وهما أقرب من سائر المجازات، وحمل العمومات - بعد قيام قرينة منفصلة على عدم إرادة العموم - على ما عدى ما علم بخروجه من هذا الباب، فإن القرائن المنفصلة فيها ليست كالمتصلة موجبة لظهور العام في إرادة الباقي فتكون معينة أيضا، بل إنما هي صارفة صرف، والتعيين إنما يجيء من جهة أقربية تمام ما عدى الخارج إلى مدلول العام من سائر مراتب الخصوص، لكن ما نحن فيه أعني الطريقين المتعارضين خارج عن ذلك الباب، فإن المفروض مساواة الطريقين في كيفية الإفادة من النصوصية والظهور وعدم مزية وقوة لدلالة أحدهما على دلالة الآخر، ومن المعلوم أنه إذا كانا نصين لا يمكن التصرف في شيء منهما بوجه بحمله على إرادة جزئه أو لازمه، بل الأمر دائر بين الأخذ بتمام مؤدى هذا وبين الأخذ بتمام مؤدى ذاك، وأما إذا كانا ظاهرين فكل منهما حينئذ وإن كان قابلا للتأويل والحمل على خلاف ظاهره، لكن لا بد أن يكون الاعتماد في التصرف على أمر ثالث، لا على صاحبه المساوي له، لعدم صلاحيته لذلك، ولما كان المفروض انتفاء أمر ثالث فلازمه إرادة تمام مدلول هذا أو تمام مدلول ذاك، فالعلم بكذب أحدهما في مدلوله المطابقي مانع منه من حجيته في مدلوله الالتزامي أيضا، فأحدهما غير حجة في مداليله مطلقا.
ومن هنا يظهر أن الظاهرين المتعارضين ليس شيء منهما من مقولة الخطاب المجملة من جهة اكتنافها بما أوجب إجمالها، فإن الشك هناك إنما هو في المراد من الخطاب بعد الفراغ عن إرادة معنى منه في الجملة، وهنا إنما هو في إرادة معنى الخطاب وعدم إرادته رأسا، وسيجئ لذلك مزيد بيان في طي بيان جواز التعدي عن المرجحات المنصوصة وعدمه، فانتظر.
وكيف كان فقد ظهر الفرق بين المقام وبين العمومات المخصصة، وبطل قياسه عليها، فتدبر ولا تغفل. لمحرره عفا الله عنه.
(٢٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 في أصالة البراءة 5
2 البراءة - الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي 7
3 البراءة - الفرق بين التخصيص والحكومة 13
4 البراءة - صور الاشتباه في الشبهة الحكمية 15
5 البراءة - الاستدلال بآية نفي التكليف عليها 17
6 البراءة - الاستدلال بآية نفي التعذيب عليها 20
7 البراءة - رد الاستدلال بآية نفي التعذيب 25
8 البراءة - الاستدلال بآية قل لا أجد وغيرها 26
9 البراءة - الاستدلال بحديث الرفع 29
10 البراءة - الاستدلال بالحسد ومعصية وغيره 37
11 البراءة - الاستدلال بصحيحة عبد الرحمن 39
12 البراءة - في الاستدلال بالسنة 44
13 البراءة - في الاستدلال بالإجماع والعقل 52
14 البراءة - في الاستدلال بالعقل 55
15 البراءة - الاستدلال بالاستصحاب 61
16 البراءة - الاستدلال على الاحتياط بالكتاب والسنة 63
17 البراءة - بيان العلاج بين ما دل على البراءة والاحتياط 68
18 البراءة - الجواب عن الروايات الدالة على الاحتياط 71
19 البراءة - مفاد أدلة الاحتياط 76
20 البراءة - الشبهة المحصورة وأحكام أقسامها 82
21 البراءة - التفصيل بين ما يعم البلوى وغيره 95
22 البراءة - رجحان الاحتياط ووجوب التعليم 97
23 البراءة - جريان أصالة الحل في مورد الشك 101
24 البراءة - وظيفة الجاهل عند عدم إفتاء المجتهد بالاحتياط أو البراءة 104
25 البراءة - عدم استناد الحلية إلى أصالة الحل 107
26 البراءة - التمسك بقوله (لا يحل مال) في الشبهة الموضوعية 111
27 البراءة - إيراده على الحر العاملي 113
28 البراءة - رجحان الاحتياط 115
29 البراءة - بيان رأي المحدث الحر العاملي 119
30 البراءة - تحقيق كلام المحقق الأسترآبادي 120
31 البراءة - اخبار من بلغه 122
32 البراءة - بيان موارد مشروعية الاحتياط 130
33 البراءة - اختصاص أدلتها بالشك في الوجوب التعييني وعدمه 132
34 في التعادل والترجيح 147
35 التعارض بين الحكم الواقعي والظاهري 149
36 ميزان الحكومة والورود 176
37 الفرق بين الدليل الحاكم والمخصص 178
38 الوجوه المتصورة في اعتبار الأصول 181
39 كيفية الجمع بين الأمارات والأصول 184
40 جريان الورود والحكومة في الأصول اللفظية 190
41 تعليق حجية العام على عدم القرينة 193
42 قاعدة: الجمع مهما أمكن أولى من الطرح 195
43 بيان منشأ التعارض بين الخبرين 208
44 عدم شمول الأدلة لصورة التعارض 211
45 تأسيس الأصل الأولي في المتعارضين والمتزاحمين 215
46 الفرق بين صورة تعارض الطريق المعتبر واشتباهه بغيره 220
47 تبعية المدلول الالتزامي للمطابقي 222
48 تأسيس الأصل الثانوي في المتعارضين والمتزاحمين 226
49 مفاد الاخبار عند التعارض 235
50 حكم الترجيح عند تعارض الاخبار 247
51 أدلة القول باستحباب الترجيح والجواب عنها 249
52 المختار والدليل في حكم الترجيح 256
53 عدم ثبوت التخيير مع احتمال وجوب الترجيح 258
54 تأسيس الأصل في الواجبين المتزاحمين 260
55 كلام السيد الصدر في مفاد الاخبار والتحقيق فيها 273
56 التعدي عن المرجحات وعدمه 288
57 انقسام المرجحات 299
58 الكلام في الخبرين المتعارضين 303
59 تشخيص موضوعي النص والأظهر في المتعارضات 332
60 انقسام المرجحات إلى السندية والمتنية 354