سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٧ - الصفحة ٤٠
قلت: يعني بتكرار طرق الأحاديث، فأما المتون الاحكامية التي رواها فما تبلغ عشر ذلك.
وذكر البخاري هنا فصلا حسنا عن رجاله، وإبراهيم بن سعد، وصالح ابن كيسان، فقد أكثرا عن ابن إسحاق. قال البخاري: ولو صح عن مالك تناوله من ابن إسحاق، فلربما تكلم الانسان، فيرمي صاحبه بشئ واحد، ولا يتهمه في الأمور كلها. قال: وقال إبراهيم بن المنذر عن محمد بن فليح:
نهاني مالك عن شيخين من قريش، وقد أكثر عنهما في " الموطأ " وهما ممن يحتج بهما، ولم ينج كثير من الناس من كلام بعض الناس فيهم، نحو ما يذكر عن إبراهيم من كلامه في الشعبي، وكلام الشعبي في عكرمة وفيمن كان قبلهم، وتناول بعضهم في العرض والنفس، ولم يلتفت أهل العلم في هذا النحو إلا ببيان وحجة ولم تسقط عدالتهم إلا ببرهان ثابت وحجة، والكلام في هذا كثير.
قلت: لسنا ندعي في أئمة الجرح والتعديل العصمة من الغلط النادر، ولا من الكلام بنفس حاد فيمن بينهم وبينه شحناء وإحنة (1)، وقد علم أن كثيرا من كلام الاقران بعضهم في بعض مهدر لا عبرة به (2)، ولا سيما إذا وثق

(1) الإحنة: الحقد في الصدر.
(2) جاء في " طبقات الشافعية " للعلامة التاج السبكي في ترجمة أحمد بن صالح المصري:
1 / 188، ما نصه: " الحذر كل الحذر أن تفهم أن قاعدتهم " الجرح مقدم على التعديل " على إطلاقها، بل الصواب أن من ثبتت إمامته وعدالته، وكثر مادحوه، وندر جارحوه، وكانت هناك قرينة دالة على سبب جرحه من تعصب مذهبي أو غيره، لم يلتفت إلى جرحه ".
وفيه أيضا: 1 / 190: " قد عرفناك أن الجارح لا يقبل منه الجرح، وإن فسره في حق من غلبت طاعاته على معاصيه، ومادحوه على ذاميه، ومزكوه على جارحيه، إذا كانت هناك منافسة دنيوية، كما يكون بين النظراء أو غير ذلك، وحينئذ فلا يلتفت لكلام الثوري وغيره في أبي حنيفة، وابن أبي ذئب وغيره في مالك، وابن معين في الشافعي، والنسائي في أحمد بن صالح ونحوه. ولو أطلقنا تقديم الجرح لما سلم لنا أحد من الأئمة، إذ ما من إمام إلا وقد طعن فيه طاعنون، وهلك فيه هالكون ".
(٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 ... » »»