سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٧ - الصفحة ٤١
الرجل جماعة يلوح على قولهم الانصاف، وهذان الرجلان كل منهما قد نال من صاحبه، لكن أثر كلام مالك في محمد بعض اللين، ولم يؤثر كلام محمد فيه ولا ذرة، وارتفع مالك، وصار كالنجم، والآخر، فله ارتفاع بحسبه، ولا سيما في السير، وأما في أحاديث الاحكام، فينحط حديثه فيها عن رتبة الصحة إلى رتبة الحسن، إلا فيما شذ فيه، فإنه يعد منكرا. هذا الذي عندي في حاله، والله أعلم.
قال يونس بن بكير: سمعت شعبة يقول: محمد بن إسحاق أمير المحدثين لحفظه.
وقال علي بن عبد الله: نظرت في كتب ابن إسحاق فما وجدت عليه إلا في حديثين، ويمكن أن يكونا صحيحين.
وقال بعض الأئمة: الذي يذكر عن هشام بن عروة من قوله: كيف يدخل على امرأتي؟ لو صح هذا من هشام لجاز أن تكتب إليه (1)، فإن أهل المدينة يرون الكتاب جائزا، لان النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب لأمير السرية كتابا، فقال له:
" لا تقرأه حتى تبلغ موضع كذا وكذا " فلما بلغه قرأه وعمل به (2). وكذلك

(1) أي: زوجته، والمكتوب إليه ابن إسحاق.
(2) علقه البخاري في " صحيحه ": 1 / 142، في العلم: باب ما يذكر في المناولة، وكتاب أهل العلم بالعلم، وأخرجه البيهقي في " سننه ": 9 / 58، 59، من طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق، حدثني يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير، قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن جحش إلى نخلة، فقال له: " كن بها حتى تأتينا بخبر من أخبار قريش "، ولم يأمره بقتال، وذلك في الشهر الحرام، وكتب له كتابا قبل أن يعلمه أين يسير، فقال: " اخرج أنت وأصحابك، حتى إذا سرت يومين، فافتح كتابك، وانظر فيه، فما أمرتك فيه فامض له، ولا تستكرهن أحدا من أصحابك على الذهاب معك.. ".
وأخرجه أيضا: 9 / 12، من طريق أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري، عن عروة..
وسنده صحيح لكنه مرسل.
وأخرجه الطبري في تفسيره: 2 / 349، 350، من حديث جندب بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم - أنه بعث رهطا، وبعث عليهم أبا عبيدة، فلما ذهب لينطلق بكى صبابة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلس، فبعث عليهم عبد الله بن جحش مكانه، وكتب له كتابا، وأمره أن لا يقرأ الكتاب حتى يبلغ مكان كذا وكذا، وقال: " لا تكرهن أحدا من أصحابك على المسير معك "، فلما قرأ الكتاب استرجع، وقال: سمع وطاعة لله ولرسوله، فخبرهم الخبر، وقرأ عليهم الكتاب، فرجع رجلان، ومضى بقيتهم، فلقوا ابن الحضرمي، فقتلوه، ولم يدروا أن ذلك اليوم من رجل أو جمادى، فقال المشركون للمسلمين: قتلتم في الشهر الحرام. فأنزل الله عز وجل: * (يسألونك عن الشهر الحرام..) * الآية [217، البقرة]، فقال بعضهم: إن لم يكونوا أصابوا وزرا فليس لهم أجر، فأنزل الله عز وجل: * (إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم) * [البقرة: 218].
ورجاله ثقات، إلا أن فيه رجلا مبهما، ومع ذلك فقد قال الهيثمي في " المجمع: 6 / 192، بعد أن عزاه للطبراني: رجاله ثقات، ونقله الحافظ في " الفتح ": 1 / 142، عن الطبراني، وحسن إسناده، وقال: ثم وجدت له شاهدا من حديث ابن عباس عند الطبري في " التفسير ": 2 / 350. فبمجموع هذه الطرق يكون صحيحا.
(٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 ... » »»