الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١٠٨٥
فقد صار الظن أنه خبر واحد عندهم أقوى من القياس الذي هو عندهم أقوى من يقين أنه خبر واحد، فقد صار الظن أقوى من اليقين وفي هذا عجب عجيب ونعوذ بالله من الخذلان.
وأما الحقيقة فإن الظن باطل. بنص حكم النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أكذب الحديث، وبنص قول الله تعالى: * (إن الظن لا يغني من الحق شيئا) * فالظن بنص القرآن ليس حقا، فإذ ليس حقا فهو باطل، فإذا كان الظن الذي هو الباطل أقوى من القياس، فالقياس بحكمهم أبطل من كل باطل. وبالله تعالى التوفيق.
وجملة القول: أن قولهم: إن خبر الواحد يدخله السهو والغلط، والكذب، إنما هو من اعتراضات من لا يقول بخبر الواحد من المعتزلة. والخوارج وقد مضى الكلام في إيجاب خبر الواحد العدل، وقد وجب قبوله بالبرهان، فاعتراض المعترض بأنه قد يدخله السهو، وتعمد الكذب اعتراض بالظن، وبعض الظن إثم والظن أكذب الحديث.
وقولهم: إن القياس يدخله خوف خطأ التشبيه إقرار منهم بأنهم لا يثقون بجملته، وهذا هو الحكم بالظن، وهو محرم بنص القرآن ويسألون عن إنسان مشهور بالباطل، معروف بادعائه قد كثر ذلك منه وفشا فتقدم إلى قاضي يخاصم عنده؟. فإن الأمة كلها مجمعة عن ألا يقاس أمره الآن على ما عهد منه، فإذا خرم أن يقاس حكم المرء اليوم على حكمه بنفس أمس، فهو أبعد من أن تقاس على غيره وهذا هدم من القياس للقياس، وتفاسد منه بعضه لبعض، وما كان هكذا فهو فاسد كله، وبالله تعالى التوفيق. وقال قائل منهم: هل يجوز أن يتعبدنا الله تعالى بالقياس؟.
قال أبو محمد: فالجواب إن كان جائزا قبل نزول قول الله تعالى: * (وما جعل عليكم في الدين من حرج) * وقوله تعالى: * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * وكان يكون ذلك لو كان حمل إصر كما حمله على الذين من قبلنا، وتحميلا لما لا طاقة لنا به، وكما قال تعالى: * (ولو شاء الله لأعنتكم) * وأما بعد نزول الآيتين اللتين ذكرنا، وبعد أن أمننا الله تعالى من أن يكلفنا الحكم بالتكهن وبالظنون، وبعد أن نهانا عن أن نقول عليه تعالى ما لم نعلم، فلا يجوز البتة أن يتعبدنا بالقياس، لان وعد الله تعالى حق لا يخلف البتة، وقوله الحق. وبالله تعالى التوفيق.
(١٠٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1080 1081 1082 1083 1084 1085 1086 1087 1088 1089 1090 ... » »»
الفهرست