الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١٠٨١
ويقال لهم أيضا: أخبرونا أكل قياس قاسه قائس من أصحاب القياس حق وصواب؟ أم من القياس خطأ وصواب؟ ولا بد من أحد الوجهين، فإن قالوا:
كل قياس في الأرض فهو صواب، تركوا مذهبهم وأوجبوا المحال، وكون الشئ حراما حلالا فرضا مباحا على إنسان واحد في وقت واحد، وإن قالوا: من القياس خطأ ومنه صواب، قلنا لهم: بأي شئ تعرفون الحق من الباطل في القياس؟ فإن تلجلجوا وقالوا: لا نأتي بذلك إلا في كل مسألة. قلنا: هذا لو إذ عما لزمكم مما لا سبيل لكم إلى وجوده، كمن قاس أن يقبل امرأتان حيث تجوز عنده شهادة النساء مفردات على قبول رجلين، حيث يقبل الرجال، وكمن قاس وجود أربع في ذلك على تعويش امرأتين بدل رجل، حيث يقبل النساء مع الرجال، وقلما تخلو لهم مسألة من مثل هذا.
فإذا بطل وجود برهان يصحح الصحيح من القياس ويبطل الباطل منه فقد صح أن ما لا سبيل إلى الفرق بين باطله وبين ما يدعي قوم أنه منه حق، فهو باطل كله.
فإن قالوا لنا: فكل الاخبار عندكم حق أو فيها باطل وحق. قلنا: بل كل ما اتصل برواية الثقات إلى النبي صلى الله عليه وسلم حق لا يحل تركه إلا بيقين نسخ أو بيقين تخصيص. ولا نسخ في القياس أصلا.
فصل قال أبو محمد: ونحن نرتب إن شاء الله تعالى ولا حول ولا قوة إلا به، طريقة لا يتعدى بها على أحد من أهل الحق إفساد كل قياس يعارض به أحد من أصحاب القياس، أو يحتج منهم، وذلك أنه إذا احتج محتج ممن يقول بالقياس بأن هذه المسألة تشبه مسألة كذا، فواجب أن نحكم لها بمثل حكمها، فليطلب من يعارضه من أصحابنا صفة في المسألة التي شبهها خصمه بالمسألة الأخرى، مما يشبه فيه مسألة ثالثة، ثم يلزمه أن يحكم لها أيضا بمثل ذلك الحكم، وهذا أمر موجود في جميع مسائلهم أولها عن آخرها، وهذا وجه يفسد مسائلهم في القياس، وسنذكر من هذا طرفا كافيا في الباب الذي بعد هذا إن شاء الله تعالى، ونذكر ههنا مسألة واحدة تدل على المراد إن شاء الله تعالى، وبالله تعالى التوفيق.
(١٠٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1076 1077 1078 1079 1080 1081 1082 1083 1084 1085 1086 ... » »»
الفهرست