الاحكام - ابن حزم - ج ١ - الصفحة ١١١
للدين، وتشكيك في الشرائع. ثم نقول لهم: أخبرونا إن كان ذلك كله ممكنا عندكم، فهل أمركم الله تعالى بالعمل بما رواه الثقات مسندا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لم يأمركم بالعمل به؟ ولا بد من أحدهما.
فإن قالوا: لم يأمرنا الله تعالى بذلك لحقوا بالمعتزلة، وسيأتي جوابهم على هذا القول إن شاء الله تعالى، وإن قالوا: بل أمرنا الله تعالى بالعمل بذلك قلنا لهم:
فقد قلتم إن الله تعالى أمركم بالعمل في دينه بما لم يأمركم به مما وضعه الكذابون، وأخطأ فيه الواهمون، وأمركم بأن تنسبوا إليه تعالى وإلى نبيه صلى الله عليه وسلم ما لم يأتكم به قط، وما لم يقله الله تعالى قط ولا رسوله صلى الله عليه وسلم. وهذا قطع بأنه عز وجل أمر بالكذب عليه، وافترض العمل بالباطل، وبما ليس من الدين، وبما شرع الكذابون مما لم يأذن به الله تعالى وهذا عظيم جدا لا يستجيز القول به مسلم.
ثم نسألهم عما قالوا: إنه ممكن من سقوط بعض ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحكم في الدين بإيجاب أو تحريم حتى لا يوجد عند أحد، هل بقي علينا العمل به أم سقط عنا؟ ولا بد من أحدهما، فإن قالوا: بل هو باق علينا. قلنا لهم: كيف يلزمنا العمل بما لا ندري وبما لم يبلغنا ولا يبلغنا أبدا.
وهذا هو تحميل الإصر والحرج والعسر الذي قد آمننا الله تعالى منه.
وإن قالوا: بل سقط عنا العمل به، قلنا لهم: فقد أجزتم نسخ شرائع من شرائع الاسلام مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي محكمة ثابتة لازمة، فأخبرونا من الذي نسخها وأبطلها، وقد مات صلى الله عليه وسلم وهي لازمة لنا غير منسوخة؟ وهذا خلاف الاسلام والخروج منه جملة.
فإن قالوا: لا يجوز أن يسقط حكم شريعة مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لازم لنا ولم ينسخ. قلنا لهم: فمن أين أجزتم هذا النوع من الحفظ في الشريعة؟ ولم تجيزوا تمام الحفظ للشريعة في ألا يختلط بها باطل لم يأمر الله تعالى به قط، اختلاطا لا يتميز معه الحق الذي أمر الله تعالى به من الباطل الذي لم يأمر به تعالى قط؟ وهذا لا مخلص لهم منه، ولا فرق بين من منع من سقوط شريعة حق وأجاز اختلاطها بالباطل، وبين من منع من اختلاط الحق في الشريعة بالباطل، وأجاز سقوط شريعة حق، وكل هذا باطل لا يجوز البتة وممتنع
(١١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كلمة المطبعة وفيها تعليل شدة ابن حزم على الفقهاء 3
2 وعد.. ووعد 4
3 خطبة الكتاب 5
4 المقدمة وفيها بيان قوى النفس الإنسانية 6
5 الباب الأول في الغرض المقصود من الكتاب 7
6 الباب الثاني في فهرس الكتاب وأبوابه 12
7 الباب الثالث في إثبات حجج العقول 14
8 الباب الرابع في كيفية ظهور اللغات 28
9 الباب الخامس في الألفاظ (الاصطلاحية) الدائرة بين أهل النظر 34
10 فصل في حروف المعاني التي تتكرر في النصوص 46
11 الباب السادس هل الأشياء في العقل قبل ورود الشرع على الحظر أم على أم على الإباحة 47
12 فصل فيمن لم يبلغه الأمر من الشريعة 55
13 الباب السابع في أصول الأحكام في الديانة وأقسام المعارف 59
14 فصل في هل على النافي دليل أم لا 68
15 الباب الثامن في البيان ومعناه 71
16 الباب التاسع في تأخير البيان 75
17 الباب العاشر في الأخذ بموجب القرآن 85
18 الباب الحادي عشر في الكلام في الأخبار (وهى السنن المنقولة عن رسوله الله (ص) 87
19 فصل فيه أقسام الأخبار عن الله تعالى 93
20 فصل في هل يوجب خبر الواحد العلم مع العمل أو العمل دون العلم 107
21 صفة من يلزم قبول نقله الأخبار 122